المنشور

أغنية الى ليلى فخرو



عاش الشاعر والأديب العماني سماء عيسى طفولته
في البحرين مع أسرته التي كان عائلها يعمل فيها، وذلك في الفترة بين 1956 و1963، شأنه في ذلك
شأن الكثير من أهلنا في عُمان الذين قاسمونا شظف العيش وجهد العمل في تلك الفترة. وتشاء الأقدار أن يكون سكن أسرته بجوار سكن
عائلة المناضلة البحرينية الراحلة ليلى عبدالله فخرو في منطقة القضيبية. الأقدار
نفسها، أو أقدار أخرى مشابهة، ستجعل الفتى سماء عيسى يلتقي ليلى بعد ذلك بنحو سبع
سنولت في عدن وهي في طريقها الى ظفار لتخوض تجربتها الانسانية والنضالية المهمة في
تاسيس ما يعتبره العمانيون، مُحقين، ريادة التعليم النظامي في ظفار، وهي التجربة
التي يتذكرها جيل من العمانيين بالكثير من الامتنان. 


شخصياً قابلتُ منذ عقدين من الزمن أو أكثر شباناً عمانيين من
الجنسين درسوا الطب والهندسة وغيرهما من التخصصات الرفيعة في العراق وسوريا  وكوبا وفي جامعات الاتحاد السوفيتي السابق
وباتوا من الكوادر التي بنت عمان الحديثة ممن يفخرون أنهم تعلموا فك الحرف
والامساك بالقلم على يد  ليلى فخرو ورفاق آخرين لها. 


في معرض مسقط للكتاب، حيث كنت منذ يومين،
استوقفني في جناح دار الانتشار العربي ديوان للشاعر سماء عيسى بعنوان “أغنية
حب – إلى ليلى فخرو”، يتضمن إثنين وخمسين نصاً قصيراً، كلها مستوحاة من
التجربة الانسانية لليلى فخرو، متاقطعة مع تجربة الشاعر نفسه الذي يُعد، وآخرون-  كزميله وصديقه عبدالله حبيب، الذي يوجه له، في
نهاية الديوان، تحية خاصة كونه قد تابع بحب كبير كتابة هذه التجربة منذ بدايتها،
وليلى بعد في المراحل الاخيرة على فراش المرض، مُشكلاً بذلك دافعا قويا خلاقا
لانجازها ونشرها-  جسراً بين جيلين
ومرحلتين في الحركة الثقافية والابداعية الجديدة في عُمان، وهي تجربة تشهد نهضة في
اللحظة الراهنة لا مثيل لها، فيما أزعم، في البلدان الخليجية الأخرى، على مستوى
الغزارة في الكم والجودة في المضمون، محمولة على خطة نشر واسعة تتشارك فيها
الهيئات الثقافية الأهلية والرسمية، كجمعية الأدباء العمانيين والتادي الثقافي
العماني وغيرهما. 


“لا يعرف الطريق اليكِ، غير طير الخريف
المهاجر، لا تعرف الطريق اليكِ، غير رياح الجنوب، البعيدة، وفي محارة قلبكِ، تسكن، أرواح أحبتك، الموتى” – بنصٍ مثل
هذا يخاطب سماء عيسى الراحلة التي أهدى نصوصه اليها، أو بهذا النص مثلاً:
“سأحمل ألماً كبيراً في القلب، وأصمتُ، كي اكون ماءً عذباً لكِ، أيتها الشجرة
التي تقترب بأغصانها وتحنو، كأمٍ على رضيعها الغريب”. أو بهذا النص الذي
اختاره الشاعر ليكون على غلاف الديوان الخلفي: “أيتها الصحراءُ، الراجفة في
القلب، كطيرٍ ذبيح يرتجف، تحت سكين عابرٍ مجهول، أعيدي الفتاةَ، التي رحلت، في
ترابك، إلينا”.