(1)
في مساء الثالث والعشرين من أغسطس ٣٠٠٢ نظم المنبر التقدمي ندوة حاشدة قدم فيها المناضل والفنان مجيد مرهون صفحات من سيرته الذاتية التي هي نسيج من النضال والإبداع، وأدار هذه الندوة الفنان الوطني الملتزم سلمان زيمان مؤسس فرقة »أجراس«. حضر هذه الندوة رفاق مجيد ومحبوه، وحشد من الشبيبة التي تجد في سيرة هذا المناضل المقدام قدوة لها في الممارسة النضالية وفي العطاء الإبداعي. روى مجيد في تلك الأمسية حكاية طفولته في حي العدامة بالحورة الذي ولد فيه، حي البسطاء المعدمين والكادحين المهمشين الذين كانوا يعيشون أسوأ أنواع شظف العيش، ويركضون لاهثين وراء لقمة العيش وكسـرة الخبز، وخوفا من الأمراض التي تحصد فيهم حصدا، وكانت فيضانات البحر تجعلهم يعايشون المستنقع الذي تعشش فيه مجاميع البعوض، ظاهرة آثارها على أجسادهم السقيمة، والتي تعاني من الجدري والتيفوئيد والسل، وغيرها من الأمراض. في هذا الحي المبني من بيوت السعف والأزقة الضيقة، ولد مجيد مرهون في عز ظهيرة يوم قائض شديد الحرارة، كان ذلك بتاريخ ٧١ أغسطس عام ٥٤٩١. يقول مجيد إن ذلك حدث بعد أسبوع واحد فقط من قيام القوات الأمريكية بإلقاء القنبلة الذرية الثانية على اليابان. وكانت الحرارة في ذلك اليوم على أشد ما يمكن تصوره، بسبب انتشار الغبار الذري في الغلاف الجوي حول العالم. عاش مجيد طفولة مريرة ترد تفاصيلها في سيرته التي سننشرها قريبا، ولكنه واجه مرارة الحياة والفقر بالتفوق في دراسته سواء لدى المطوعة التي حفظ على يديها القرآن الكريم، أو بعد إدخاله إلى مدرسة الروضة الحكومية في المنامة والواقعة قبالة مديرية المعارف. يقول مجيد : »كنت من أفضل التلاميذ في الدراسة بالرغم من شظف العيش، حيث كنا ننام أحيانا ببطون خاوية يعتصرنا الجوع، وما كان لنا سوى الصبر والحرمان، وكانت النتيجة أنني كنت من الأوائل، وتم نقلي إلى مدرسة القضيبية الابتدائية قبل أن يكتمل بناؤها عام ٣٥٩١، وفي تلك المدرسة لاحظت الفارق الاجتماعي بين الطبقات، فأبناء الأسر الميسرة تعيش النعيم والدلال، بينما أبناء الأسر الفقيرة تعيش الحرمان والعوز، وكنت أنزوي محاولا تفسير السبب، ولكن دون طائل، لأن الموضوع وهمومه أكبر مما يحتمله عقلي. وكان حلمي هو: متى أكمل دراستي لكي أعمل وأعيش مع أهلي العيش الكريم، وبالرغم من أنني أعرف بأنه حق طبيعي، إلا أنه حلم بعيد المنال«. في العام الدراسي ٥٥٩١ – ٦٥٩١ طلب منه مدرس التربية الفنية والرياضية، الأستاذ سلمان ماجد الدلال أن يقوم بتلحين كلمات أغنية مونولوج للأطفال في مسرحية ضمن النشاطات السنوية للمدرسة. كان ذلك أول لحن يقوم بتأليفه في حياته، ويتكون من تسلسل سلم نغمي صاعد ونازل مع بعض التغييرات النغمية والإيقاعية. لم يكن عمر مجيد يتجاوز العاشرة حين ألف المنولوج الذي كان بعنوان: (وياكم يا ناس تحيرنا)، وتم تسجيله يومها في إذاعة البحرين.
(2)
كان مجيد مرهون لما يزل تلميذا في المدرسة الابتدائية، حين كان قبل أن يخلد إلى النوم في كل ليلة يستمع إلى راديو الظهران من مذياع قديم في بيتهم يعمل على البطارية الناشفة، وكانت تلك الإذاعة تقدم الموسيقى طوال الليل والنهار. سيصبح الفتى الذي ولد موهوباً، مدمناً على الاستماع إلى الموسيقى السيمفونية، والتي كانت ثرية في هارمونياتها المتنوعة، رغم انه في تلك السن المبكرة لم يكن قادرًا على استيعاب كل شيء فيها. أثار ذلك فضوله كثيرًا وشكل له تحدياً حقيقياً للمعرفة، وكان ذلك دافعاً له للمثابرة والاجتهاد في دخول العالم السحري للموسيقى. من المدرسة الابتدائية سينتقل مجيد إلى مدرسة بابكو للتدريب، التي كان الانتساب إليها يؤمن مدخولاً، ساعده في البداية على الانتقال مع عائلته من البيت الذي كانوا يسكنونه بالإيجار، حيث انتقلت العائلة إلى منطقة السلمانية لتعيش في بيت أفضل من السابق. هذا المدخول ساعده أيضا في تحقيق رغبته القديمة في اقتناء آلة موسيقية، حيث اشترى آلة الهارمونيكا عام ٩٥٩١، ومعها اشترى كتابا لكي يرشده في تعلم كيفية العزف عليها. الاستيعاب النظري للدروس لم يكن صعباً بالنسبة له، لكن كيفية تطبيق تلك الدروس كانت المشكلة، خاصة وأن معرفته باللغة الإنجليزية آنذاك كانت محدودة، مما أوشك أن يصيبه باليأس، لأن محاولاته الأولى في تعلم النوتة كانت فاشلة. قرر أن يتغلب على ذلك بتعلم العزف وفقاً لسمعه، فكان يخرج ليلاً إلى ساحل البحر خلف قصر القضيبية، لكي يعزف ما يعتمل في صدره وعقله، وكان منظر القمر وهو يتلألأ في أمواج البحر الراقصة يثير أشجانه. الفتى المنذور للإبداع، سيصبح منذورًا للنضال أيضا، في ذلك الزمن الجميل الذي كان المبدعون لا يجدون أنفسهم إلا في الانحياز لقضية شعبهم، وللنهج الثوري التقدمي المعبر عن التوق للحرية. ففي ليلة من تلك الليالي سيلتقي مجيد بواحد من الشباب الذين كانوا يدرسون معه في مركز التدريب المهني في بابكو لكنه يسبقه بفصل واحد، وهو حسن علي محمد المحرقي، وكان آنذاك يسكن في بيت والده في الحورة، فأحس بألفة وقرابة تجاهه، وبسرعة تطورت علاقة الشابين، فأخذ مجيد يزوره في بيت والده بصورة منتظمة، حيث يقضيان الوقت في نقاشات ودراسات عديدة، كانت فائدته منها، كما يروي، كبيرة جدا. سيقوده ذلك إلى قراءة روايات ومؤلفات جورج حنا وسلامة موسى ومحمد مندور ومكسيم جوركي، وكان لروايات وقصص هذا الأخير أثرها العميق جدا في نفسه، لأنه وجد في شخوص هذه القصص تجسيدات حية في مجتمعنا الحقيقي. وبعد حين لم يطل بات مجيد على يقين من أن الميول والتوجهات الاشتراكية أقرب إلى قلبه وعقله. حينها سئل إن كان يرغب في الانضمام لجبهة التحرير الوطني المناضلة من أجل حقوق الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة ولأجل الديموقراطية. يقول مجيد: »بدون تردد أعلنت رغبتي ولهفتي للانخراط فيها«.
(3)
في العام ١٦٩١، إذا، انضم مجيد إلى جبهة التحرير، وفي نفس هذا العام طلب منه المرحوم باقر كلبهرام، أن يؤسس فرقة موسيقية للعزف في موكب عزاء مأتم كلبهرام، لأنه كان من أشهر الموسيقيين بين فقراء تلك المنطقة. وبما عهد عنه من حماس شديد وافق مجيد على انجاز هذه المهمة لأنه كان قد بدأ نشاطه الثوري بين الشباب الفقراء من هم في مثل سنه، أو أكبر أو أصغر قليلا، وكلهم من أبناء الطبقة العاملة والعاطلين عن العمل، ومن الرعاع أيضا. في هذه المرحلة بدا يتبلور عنده الإحساس والوعي بالتقاء الفن الموسيقي مع الثورة، وهذا ما عزز موقفه من الموسيقى في منظورها التقدمي وكوسيلة في الارتقاء بذائقة الإنسان وتهذيب روحه. كانت مهاراته الموسيقية قد أخذت في التطور، وبدأت آلات موسيقية أخرى تشده إلى عالمها، فاشترى آلة السكسفون بعد تعرفه على بعض آلات النفخ مثل الترومبت والكلارنيت عام ١٦٩١. وحسب المرحوم الفنان أحمد جمال الذي كان يملك متجرا لبيع الآلات الموسيقية والكتب الموسيقية، فان مجيدا كان أول بحريني يشتري هذه الآلة من المحل، كما اشترى أول كتاب لتعلم العزف على السكسفون، وفعل ذلك بدون معلم أو مدرب. وفي العام نفسه قام بتأليف لحن لوحة المأتم، وبشكل عام فقد سجلت هذه الفترة انطلاقة له في التأليف الموسيقي، وكذلك في العزف على السكسفون بموسيقى الجاز والأغاني من مختلف الأنواع. إضافة إلى ذلك انضم إلى أسرة هواة الفن في أواخر عام ٣٦٩١ ولمدة ستة أشهر، وشارك معها في عدة حفلات أقامتها في عدد من النوادي والمناسبات، ولكن عضويته فيها لم تطل بسبب بعض الخلافات، ليصبح بعد ذلك واحدا من مؤسسي فرقة الأنوار، والتي كان لها في ذلك الحين نشاطات بارزة. تشكلت الفرقة عمليا من فرقتين واحدة للموسيقى الشرقية بقيادة أحمد فردان وتدريب عيسى جاسم، والثانية للموسيقى الغربية، وهي أول فرقة موسيقية في البحرين وربما في الخليج بأسره أعضاؤها بحرينيون، وكانت الفرقتان تعملان بصورة مستقلة في الاحتفالات العادية، ولكنهما تعملان معا في المهرجانات. سيحل العام ٥٦٩١، عام الانتفاضة العمالية ضد الاستعمار وتعسف شركة النفط. ويرى مجيد أن هذه الانتفاضة شكلت وحدة بين النضال العمالي والحركة الطلابية في المدارس، خاصة في الثانويات. كان مجيد العامل يومذاك بين من ساهموا في هذه الانتفاضة العمالية، في المظاهرات وكذلك في إلقاء الحجارة، ووضع الكمائن ضد الشرطة، وفي احد الأيام التي كان فيها مجيد عائدا من مظاهرة عمالية وطلابية مشتركة، اختلى به احد رفاقه ليبلغه توجيها بعدم الخروج بعد اليوم في المظاهرات. وعندما سأله مجيد عن السبب، قال له بالحرف الواحد: لا نريدك أن تنكشف الآن.. تنتظرك مهام خاصة.
(4)
المناضل الذي طلبوا منه أن يستعد لمهام خاصة، سيغدو بطلا من أبطال النضال ضد الاستعمار وفي سبيل الاستقلال والحرية.
في العام ٦٦٩١، وفي الذكرى الأولى لانتفاضة مارس ٥٦٩١ سيشترك في عملية جريئة بموجبها سيشل جهاز القمع الاستعماري بقيادة بوب ومساعده أحمد محسن، حينما انفجرت بهما سيارتاهما.
بعد انتفاضة ٥٦٩١ وبعد سقوط الطاقم الأمني الاستعماري السابق وهروب بنيامين بنز بمرتبات الشرطة إلى خارج البحرين، سيجلب الانجليز طاقما جديدا بقيادة إيان هندرسون ونائبه شور وغيرهما من صغار الضباط المتبقين من الطاقم القديم.
بشكل عام كانت المهام والأعباء التنظيمية قد ازدادت على عاتق مجيد في تلك الفترة، وبرغم الظروف القاسية والمسؤوليات الحزبية الكبيرة فإن هذا لم يوقف نشاطاته الموسيقية، بل جعله أكثر حماسا لها.
أخذت ثقافته الموسيقية والفنية في التطور والتوسع، وتحسنت مهاراته في العزف على السكسفون، حيث راح يعزف الألحان الفرنسية العديدة والتي وسعت ذخيرته الفنية، وكذلك الألحان الأفريقية، واللاتينية الأمريكية، والإنجليزية، وعلى وجه الخصوص ألحان أغاني الخنافس – البيتلز والرولينجستونز، والأسبانية، والروسية بالرغم من أنه لم يتمكن من مواصلة دراسة نظريات الموسيقى حينها بصورة منهجية، كما استمر كذلك تأليفه للألحان التي يعزفها في موكب عاشوراء.
وفي عام ٧٦٩١ جرى تداول، وللمرة الأولى، كلمات نشيد: طريقنا أنت تدري، شوك ووعر عسير.
ورغم أن مجيدا لم يحصل على النص الكامل للنشيد، لكن مطلعه وأبياته الأولى لفتت نظره فقام بتلحينها وتحفيظ أعضاء خليته الحزبية لحن تلك الكلمات دون أمل في تحقيق تلحين نشيد كامل.
هذا النشيد سيجري إثراء كلماته، بعد ذلك بعدة سنوات بإضافات ثرية جدا من قبل المناضل والشاعر أحمد الشملان، كما أن الفنان سلمان زيمان أضاف إليه، في مرحلة لاحقة، أبياتاً أخرى.
والنشيد متوفر الآن في توزيع موسيقي جميل وضعه المايسترو خليفة زيمان، وأدته مجموعة من الأصوات الجميلة الرجالية والنسائية من عناصر فرقة »أجراس«، مطعمة بأصوات شابة جديدة، وقدم لأول مرة بتوزيعه الجديد، في الحفل المهيب الذي أقامه المنبر التقدمي في عام ٥٠٠٢ في فندق هوليداي إن، »كراون بلازا« حاليا، في الذكرى الخمسين لتأسيس جبهة التحرير.
في عام ٧٦٩١ أيضا وضع مجيد لحن »الذكريات« الذي حقق نجاحا كبيرا عند الناس آنذاك، مما شد من همته وشد عزيمته، ومن جهة أخرى، أخذت شهرة فرقة »فرسان العرب« التي كان مجيد يعزف ضمنها يومذاك تزداد بين الناس، وبدأت بعض الفرق الشبابية التي صارت تقلدها تظهر إلى الوجود، ولم تبخل الفرقة بتقديم يد العون والمساعدة لها.
(5)
في العام ٨٦٩١ شن جهاز الأمن البريطاني بقيادة يان هندرسن حملة اعتقالات انتقامية في صفوف مناضلي جبهة التحرير، كان هدفها الإجهاز عليها نهائياً، وشملت الحملة العشرات من المناضلين، واستمرت حتى عام ٩٦٩١، وفي ٨ فبراير حضر إلى بوابة مصنع التكرير حيث كان يعمل مجيد مرهون ضابط المخابرات البريطاني شور بمعية المحقق يوسف إسحاق، وتسلماه من أيدي رجال الأمن الإنجليز في بابكو، حيث نقل إلى قسم التحقيقات في القلعة. ظل أمر التخطيط والتنفيذ للعمليتين التي اشترك فيهما مجيد سراً منذ عام ٦٦٩١، عام تننفيذها حتى العام ٩٦٩١، حيث استطاع جهاز الأمن الإمساك ببعض الخيوط التي قادت إلى التعرف على دور مجيد في تنفيذ إحداهما. وفي ٣٢ مارس ٩٦٩١ اقتيد إلى محاكمة صورية لم تدم أكثر من نصف ساعة، حيث صدر الحكم الذي أعده هندرسون سلفاً، والذي تضمن عقوبتين إحداهما السجن المؤبد والثانية السجن لمدة ٠١ سنوات. بعدها بيومين ربطوا جسم مجيد ويديه بسلاسل كبيرة وثقيلة من الحديد بالإضافة إلى رباط الكفين، وربطوا السلاسل بالشاحنة التي أركبوه فيها وكانت مكشوفة، حيث تحركت من القلعة إلى ميناء البديع، ومن الشاحنة تم نقله إلى زورق خفر السواحل الخاص بجزيرة جدا في يوم عاصف صادف، كما يتذكر مجيد، السابع من محرم. لأول وهلة بدت له جزيرة جدا مخيفة لأنها تختلف تماماً عن جزر البحرين، ففيها الهضاب الجبلية والكهوف ما يثير الرعب في قلب الوافد الجديد، وفور وصوله الجزيرة تم إدخاله على مدير السجن، فرنك سميث، في مكتبه، الذي حدثه بخشونة وعنف، ثم أمر بتركيب القيود الحديدية (الصنقل) على قدميه ويتكون من حلقتين بوزن ثقيل مع سلسلة يحملها بيديه أو يربطها بخاصرته. وبعد ذلك تم إدخاله في الزنزانة الانفرادية رقم ٦٢ وتم إقفال بابها عليه، وهناك اكتشف أن رفيقه المناضل حسن علي المحرقي كان في الزنزانة المجاورة حيث كان يقضي عقوبة السجن لمدة ٦ سنوات لأن المطبعة السرية لجبهة التحرير صودرت من منزله. قضى الرفيقان ما يقارب ٤ سنوات في السجن الانفرادي وفي عزلة عن العالم، حيث لم يكن يسمح لهما بالاختلاط بأي من المساجين. يقول مجيد إنه من تلك الزنزانة صمَّم على ألا يدع مجالاً لليأس أو الخوف من الموت في السجن أن يتسلل إلى نفسه. ويتذكر أن تلك الفترة كانت رحلة من المعاناة حيث ان رجال الأمن كانوا يتعمدون استفزازه يومياً ليل نهار، لكنه صمد بوجه ذلك بمساعدة حسن المحرقي الذي كان يعضده ويرفع معنوياته، خاصة وأن الأخبار كانت تتوارد إلى السجن من أن الحملة على جبهة التحرير أخفقت في القضاء عليها كما كان هندرسن يقول، وان الخلايا تعيد تنظيم صفوفها، وأن نشرة »الجماهير« السرية قد عاودت الصدور رغم مصادرة المطبعة. مما قوى من عزيمة مناضلي الجبهة السجناء في جدا.
(6)
في السجن سيخوض مجيد معارك فك العزلة المفروض عليه، وسيسعى جاهدا للحصول على الكتب التي كانت ممنوعة عنه. بعد حين تعرفت إدارة السجن على مهارات مجيد العملية، كونه خريج معهد التدريب في »بابكو«، وستدفع به إلى العمل منذ عام ٢٧٩١ بمعية سجين أجنبي، وهو سيلاني يحمل الجنسية البريطانية، اسمه جوني بيد تشمان، كان يعمل في السجن كهربائيا ومصلح مواسير المياه ومشغل مكائن الكهرباء. كان هدف مدير السجن تسليم هذه المهام لمجيد بعد انقضاء فترة سجن السجين السيلاني، ويروي مجيد انه تعلم تلك المهن بشكل جيد، حيث كان يقضي النهار في ممارستها بعيدا عن بقية السجناء، وفي المساء تتم إعادته إلى الزنزانة الانفرادية. ترافق ذلك مع نجاحه في الحصول على نسخة من القرآن الكريم مع تفسير الجلالة والكتاب المقدس وكتاب آخر باسم »ثورة الحسين«، الذي اعتبره مجيد يومها كتابا أثيرا لأنه يفسر قضية الإمام الحسين تفسيرا سياسيا، وأدت دراسة الكتاب إلى رفع معنوياته لما تضمنه من دروس عظيمة في النخوة والشجاعة واستخدام العقل. وفي عام ٣٧٩١ نجحت محاولات مجيد في إقناع مدير السجون بالسماح له في الحصول على الكتب الموسيقية لدراسة الموسيقى في وقت الفراغ، الذي وافق بعد تردد، وما إن أصبحت هذه الكتب في حوزته حتى بدأ الدراسة الجادة والمكثفة في تعلم الموسيقى مستفيدا من مناخ العزلة الذي كان فيه، مستوحيا من خبراته الموسيقية منذ طفولته ومستعيدا كل تجاربه السابقة ومدققا فيها بعناية. حيث قام بإعادة تأليف وصياغة »الذكريات« بالنوتة الموسيقية، وهي على الرغم من كونها ليست تجربته الأولى في التأليف إلا انها كانت نقطة للانطلاق في المعركة الموسيقية، كما قام بتأليف مقطوعة »الحنين« وبعد قراءته المتأنية لرواية أحدب نوتردام جاءت مقطوعة »أزميرالدا« معبرة عن تأثره العميق بأعمال فيكتور هيوجو، خاصة وأن توجهاته الموسيقية الرومانتيكية كانت تسير في اتجاه نفس توجهاته في القصة. كما كان لقراءته لأعمال مكسيم غوركي عميق الأثر في توجهاته السياسة والفنية بصورة كبيرة كما تأثر بموسيقى كل من هايدن وموتسارت وبيتهوفن على وجه الخصوص، والذي وجد فيه ضالته كمؤلف موسيقي، فهو كما يقول مجيد كان مثله موسيقيا أصما علم نفسه بنفسه، وصادفت هوى في نفس مجيد التوجهات الثورية لبيتهوفن الذي كان يرفض سلطة الأباطرة الأرستقراطية المتمرغة في النعيم على حساب بقية البشر، ويمقت الزينة والحذلقة والتزلف، وهذه صفات وجد انعكاساتها في ذاته وصداها في حياته. من أعمال بيتهوفن درس مجيد جيدا سيمفونياته، لكن عدم معرفته الكافية بأصول الهارمونية، جعله يواجه صعوبات جمة في فهمه من زوايا عديدة. كما تعرف على المدرسة الرحبانية جيدا، وأدى العديد من ألحانهم، واستفاد منهم في العديد من أعماله الموسيقية التالية ومن ضمنها عمله الكبير الأول: »جزيرة الأحلام« التي تمثل تصويرا لأحلام العديد من السجناء وطموحاتهم وآمالهم وآلامهم، وكذلك تصوراتهم ومن ضمنهم هو شخصيا.
(7)
في العام ٤٧٩١ سيلتقي مجيد مرهون بالدكتور عبد الهادي خلف الذي كان قد اعتقل في يونيو من ذلك العام ، مع مناضلين آخرين ، وأحضر إلى جدا ، الذي اقترح عليه أن ترسل بعض النماذج من أعماله الموسيقية إلى السويد لتقييمها من الناحية الفنية . وبالفعل أعد مجيد بعض أعماله من مختلف المستويات، حيث تم تهريبها من السجن، ومن ثم أرسلت إلى السويد. وجاء التقييم مدهشا ليس بالنسبة إلى مجيد وحده ، وإنما بالنسبة إلى سجانيه والى هندرسون شخصيا . الأكاديمية الملكية السويدية التي اطلع مختصوها الموسيقيون على الأعمال أشادت بتمرس مجيد في الكونتريوينت التي تجعله في مستوى المحترفين. كانت دراسته المتعمقة لعدد من أعمال يوهان سباستيان باخ في مجال الالبوليفونية قد جعلته متمرسا ، حيث قام بتأليف عدة أعمال من نوع الكانون والفيوجات وهما من أعقد أنواع التأليف الموسيقي اليوليفوني في العالم . سيتوالى اعتراف العالم بمجيد مرهون ، مناضلا وفنانا . في الثمانينات وفي نطاق واحد من اكبر الحملات التي نظمتها جبهة التحرير واتحاد الشباب الديمقراطي للمطالبة بإطلاق سراحه ، ستعزف فرقة الإذاعة السيمفونية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية مقطوعتين موسيقيتين له هما :»ذكريات «و »نوستالجيا« ، وستطوف المقطوعتان العالم التقدمي كله ، وتلفت الانظار إلى موهبته ومعاناته . وفي مهرجان الشبيبة العالمي في موسكو عام ٥٨٩١ ستوقع آلاف البطاقات الاحتجاجية التي تطالب بإطلاق سراحه من قبل ممثلي حركة الشباب الديمقراطية المعادية للاستعمار في العالم كله. سيكتب مجيد عن تلك اللحظة : »لأول مرة في حياتي عرفت حلاوة النصر الكبير حيث كنت اعتبرت نفسي ممثلا لجبهة التحرير الوطني بكل ما في الكلمة من معنى« . كانت ردة الفعل لدى هندرسن تجاه ذلك عنيفة ، وأحضره إلى القلعة مهددا إياه بمحاكمة عسكرية ، لكن معنويات مجيد كانت قد بلغت الذرى في تلك المرحلة ، بعد أن تيقن أن العالم التقدمي كله ، بفضل جهود رفاقه ، يقف معه ، لذلك قابل تلك التهديدات بتحد ، لا بل وبسخرية . في٣١ يونيو ١٨٩١ توفيت والدته التي كانت سنده القوي في محنته ، وقدر رجال الأمن أن حالته النفسية بعد وفاتها مناسبة لابتزازه وترهيبه ، فأحضر إلى مكتب التحقيقات ، ومن جديد بدأوا يطلبون مني التوقيع على ورقة مضمونها أنه لا يحتاج إلى مساعدة الأحزاب اليسارية والتقدمية في العالم ، التي كانت ترسل رسائل الاحتجاجات والمطالبة بالإفراج عنه ، وهددوه انه سيعاقب في حال وردت أية احتجاجات أخرى في المستقبل ، وكان جوابه أن احتجاجات الأحزاب والمنظمات في العالم هي مشكلة السجانين وليست مشكلته ، وعليهم أن يتحملوها بأنفسهم ، فهو معزول في سجنه عن العالم ولا يد له في ما يدور خارج السجن.
(8)
سيكون لرحيل والدة مجيد أثره الكبير في نفسه، فقد تدفقت مشاعره بالحزن على شكل أعمال موسيقية لافتة، ومن بينها: »أغنية الراحلين«، التي ألفها، بعد عشرة أيام فقط من رحيل أمه، كعمل موسيقي مميز من نوع الكنتاتا شبه الدينية لصوت الصولو سوبرانو، على أن يكون الكورس مشتركا من الرجال والنساء وكذلك الأطفال من الجنسين، ومع أوركسترا السيمفونية. كما وضع عملا موسيقيا آخر مستوحى من هذا الفقد: »حرقة القلب« بعد وفاة أمه بخمسة أو أربعة أيام، حيث كتبه كاملا في جلسة واحدة للفيولين المنفردة، وهو اللحن الذي عزفته لاحقاً الدكتورة ويري دين بروفيسورة النشاطات الموسيقية في جامعة أوتاه الأمريكية، وعلم مجيد من الملحق الثقافي الأسبق للسفارة الأمريكية أن هذه المقطوعة الموسيقية حققت نجاحا كبيرا عندما قدمت في الولايات المتحدة الأمريكية. يقول مجيد إن حصيلته من الأعمال الموسيقية حتى عام ٥٨٩١، كانت قائمة على أساس وجهة نظر نقدية قوية وصارمة في نقد ذاته ومحاسبتها حسابا عسيرا، حيث أكمل السيمفونية الثانية: »دعوة إلى الفرح« في يوم عيد ميلاده الأربعين بتاريخ ٧١أغسطس٥٨٩١. كما قام بتأليف الكثير من المقطوعات المنوعة والتي استخدم فيها المقامات الشرقية. كان قراره قد أصبح حازما بأن مستقبله في الموسيقى وحدها، وليس في أي مجال آخر، لذلك عكف على المزيد من دراسة الهارمونية والتوزيع الموسيقي، بالإضافة إلى مادة التأليف الموسيقي على أسس علمية صارمة. وتمكن في تلك الفترة من الحصول على مسجل صغير وأشرطة كاسيت مسجل عليها بعضا من أعمال تشايكوفسكي وبيتهوفن وغيرهما، مما أروى شيئا من شغفه الموسيقي وساعده على المضي في مشروعه. حيث قام بتأليف أعمال موسيقية قيّمة، منها صوناتة البيانو، والرباعية الوترية الأولى، وعمل على انجاز سيمفونيته الثانية التي تفادى فيها عيوب سيمفونيته الأولى. وفي نفس تلك المرحلة قام بتأليف الرباعية الوترية الثانية والتي عزفت لاحقاً على يد فرقة رباعية أدنبرة الوترية في يوم الموسيقى العالمية عام ٩٩٩١ محققةً نجاحا كبيرا. ستتحول جزيرة جدا الى مصهر للتجارب الابداعية والفنية، وسيقوم مجيد ومنذ السبعينات بتدريس الموسيقى لبعض المساجين، حيث قام بتكوين فرقة موسيقية متواضعة بعد توفر بعض الآلات الموسيقية مثل الهارمونيكا والميلوديكا والكلارنيت، وقامت مجموعة الدارسين بصنع جيتارات من »التنك« تولى مجيد نفسه شدها باللحام موظفا مهاراته اليدوية التي اكتسبها من عمله في »بابكو«. كما قامت المجموعة بإصلاح عود مكسور تم انتشاله من بين أنقاض السجن في المنامة، حيث تولى هذه المهمة خليفة الوردي، ومن ثم تعلم على هذا العود العزف وقراءة النوتة، ومثله فعل إبراهيم سند سلطان وغيرهما من طلبة الموسيقى بإشراف أستاذهم مجيد. وبعد حين ستقوم الفرقة بإحياء عدة حفلات ناجحة في السجن، حضر مدير السجون إحداها بعد أن وجد نفسه أمام الأمر الواقع.
(9)
ضم سجن جدا في تلك الفترة مجموعة كبيرة من الكتاب والشعراء والفنانين، ومن أبرزهم قاسم حداد وعلي الشرقاوي وعبدالله علي خليفة وخليفة اللحدان وعلي الستراوي وإبراهيم بشمي، ومن الموسيقيين: إبراهيم سند وخليفة الوردي، ومن الرسامين: عبدالله يوسف وخليفة اللحدان، ومن الخطاطين: أحمد سرحان، ومن الفنانين الذين يعملون في النجارة الناعمة والتحف: عباس الإسكاني ومهدي فتيل وحسن بوعلاي وعبدالله حسين – وغيرهم، وبعضهم حقق شهرة واسعة. المصهر الفني والإبداعي الذي تشكل في جدا تعزز أكثر بتوطد العلاقة بين مجيد مرهون وبين كل من أحمد عبدالله سرحان وخليفة محمد اللحدان بعد عام ٨٧٩١، حيث صهرت الثلاثة صداقة عميقة. كان خليفة شاعرا ورساما، أما أحمد فقد بدأ يتعلم الخط العربي، وأخذ مجيد في تشجيعهما من خلال المناقشات والحوار في القضايا الفنية. حفزهم ذلك المناخ على تكوين مدرسة، أطلقوا عليها اسم: مدرسة جدا الفنية، وقام خليفة اللحدان، متأثرا بالعمل الموسيقي لمجيد: »جزيرة الأحلام« بوضع سلسلة قيمة من الرسومات عن جزيرة جدا تحت عنوان: »جولة في جزيرة الأحلام«، وهي لوحات تسجيلية لمناظر من جزيرة جدا. وقام أحمد سرحان بخط عناوين بعض أعمال مجيد الموسيقية ومن ضمنها »جزيرة جدا« وكذلك »دعوة إلى الفرح« عنوان السيمفونية الثانية. السنوات الطوال لمدير سجن جدا سميث غيرت فيه بعض الأمور. وبدأ يتلمس أكثر فأكثر معاناة مسجونيه، لا بل وسيظهر شيئا من التعاطف معهم، وستخف قسوته في التعامل معهم، وقام بإرسال ثلاث رسائل على الأقل لمسؤوليه يطالبهم فيها بإطلاق سراح مجيد مرهون وغيره من سجناء المدد الطويلة، لكنها قوبلت بالتجاهل التام. وسرعان ما ضاقت الإدارة العليا منه لما رأته تراخيا في التعامل مع السجناء، خاصة بعد أن شاركهم أحد الإضرابات عن الطعام احتجاجا على سوء معاملتهم، فقاموا بإنهاء خدماته عام ٣٨٩١. وفي الثامن من يناير ٦٨٩١ تم نقل مجيد من سجن جزيرة جدا إلى سجن جو عن طريق مكتب إدارة السجون الذي كان يأمل بخروجه من السجن في ديسمبر عام ٥٨٩١، ولكن أمل المسؤولين في إدارة السجن خاب بسبب رفض هندرسون القاطع للإفراج عن مجيد. رغم الحقد الشخصي الذي كان هندرسون يكنه له، فان مجيد يرى أن نقله إلى سجن جو حمل له بعض الفوائد، بطريقة مكنته من مواصلة العمل على مشروعه الموسيقي، حيث تم وضعه في زنزانة خاصة يستخدمها كمدرسة للموسيقى، وكمكتبة موسيقية مع طاولة خاصة مما سهل عليه الجلوس لتأليف الموسيقى وقتما يشاء، خاصة أن باب زنزانته كان مفتوحاً ليل ونهار. باتفاق مع إدارة السجن قام مجيد بتكوين فرقة موسيقية صغيرة، فاختار مجموعة من السجناء الذين يصفهم بالذكاء عكف على تدريسهم الموسيقى بكل جدية وصرامة، خاصة وان مدير السجون سمح بإدخال بعض الآلات الموسيقية للسجن.
(10)
من خلال المدرسة الموسيقية التي أنشأها في سجن جو، تمكن مجيد مرهون في ما تبقى لديه من سنوات سجنه الطويل من إعداد قائد فرقة بحريني، وعازف فلوت ماهر، وعازف أورجان، بالإضافة لإعداد مدرس موسيقى سعودي. طلبة مجيد هؤلاء تحولوا من مروجي أو متعاطي مخدرات إلى فنانين مهرة، وأصبح لدى السجن فرقة موسيقية ذات كفاءة عالية بشهادة ضباط شعبة الموسيقى وكذلك بشهادة من مدير المعهد الكلاسيكي، ووضع مجيد بعض المؤلفات الموسيقية لهذه الفرقة كما قام بتوزيع العديد من الأعمال الموسيقية لها. وصارت الفرقة تقدم حفلا سنويا في السجن، بمناسبة الإفراج عن السجناء الذين يصدر عنهم عفو في العيد الوطني في ديسمبر من كل عام. في الآن ذاته استمر مجيد في تأليف الموسيقى، حتى تاريخ خروجه من السجن في ٦٢ أبريل ٠٩٩١، ومن ضمن ما ألف مقطوعات للفلوت مع الجيتار، ومقطوعات أخرى للفلوت المنفرد وهي التي قام الفنان أحمد الغانم بأدائها فيما بعد. ومنذ اليوم الأول لخروجه من السجن أصبح عضوا في فرقة أجراس الموسيقية، وساهم فيها عزفا وتأليفا، ومن ضمن أعماله معها كانت أغنية (حبيبتي) التي قدمت في المهرجان الثالث للفرقة، ومقطوعة (دعوة حنان). وواصل مجيد العمل على انجاز القاموس الموسيقي الحديث الذي كان قد بدأ في جمع مادته منذ عام ٥٧٩١، وواصل العمل فيه في السجن، حيث أعاد النظر في المجلد الأول والذي يحتوي على إضافات في المداخل والشروح، وعلى وجه الخصوص في علاقة الكمبيوتر بالموسيقى، وأنجزه بعد خروجه، حيث انهمك عليه في الفترة بين٠٩٩١ – ٢٠٠٢، وسيصدر القاموس قريبا في تسعة مجلدات ضخمة عن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة. وتوالت مشاركات مجيد في الحفلات الموسيقية داخل وخارج البحرين، وقدمت العديد من مؤلفاته الموسيقية من قبل فرق موسيقية أجنبية مثل الحركة الأخيرة من الرباعيات الوترية الأولى، والتي أدتها فرقة بيلكن التركية، وهي فرقة رباعية نسائية، وكذلك الرباعية الوترية الثانية والتي أدتها فرقة رباعية أدنبرة البريطانية، وكلتا الرباعيتين حققتا نجاحا، حيث امتدحتهما الصحف في البحرين وفي بريطانيا وتركيا ومجلة الجمعية الدولية للموسيقى المعاصرة عام ٩٩٩١. وفي يوم الاحتجاج على شن القوات الأمريكية الحرب على العراق، شارك مجيد في الاعتصام الذي نظمه المثقفون والفنانون والأدباء البحرينيون أمام مبنى الأمم المتحدة في البحرين بتقديم بعض معزوفاته. منذ نحو أسبوعين عندما كان مجيد مرهون في وحدة العناية بالقلب بمستشفى السلمانية، نائما لأيام متواصلة تحت التخدير للتغلب على آثار احتباس السوائل في الرئة، كنا نطل عليه في نومه المؤقت، لكن الطويل، ونسترجع مسيرته الفذة التي كتبت منها بعض الشذرات في هذه المقالات. حين رآني بعد أن رفعوا عنه التخدير هتف بصوته الجهوري الذي كان يسمعه كل من في الممر: »نحن سقينا الفولاذ«! ذلك هو عنوان رواية شهيرة من الأدب الثوري العالمي، ما زال صداها يتردد في ذاكرته، هو الذي سقى الفولاذ حقيقة لا مجازا. تنتهي هذه الحلقات، لكن الحديث عن مجيد لم ولن ينتهي.