المنشور

وطن أثخنته الجراح

ما جرى خلال الأيام الماضية يوضح متغيرات عميقة في واقع الحياة اليومية. لقد كان متوقعاً أن تتوتر الأجواء مع الذكرى السنوية الثانية للرابع عشر من فبراير، ولكن ما لم يكن متوقعاً هو انتشار الحواجز داخل المناطق السكنية بصورة مكثفة أدت إلى إغلاقها بصورة شبه كاملة، وتبع ذلك إصابات ليست قليلة أدت إلى وقوع قتيلين. وفي الوقت الذي نعزي ونواسي عوائل الضحايا والمجروحين، فإن ما يحز في القلوب أيضا هو أننا نشهد وطناً أثخنته الجراح.

لا شك لدي إن بالإمكان تفادي الكثير مما حدث منذ بداية الأزمة، وحتى الآن أيضاً، وعلى رغم أن الصعاب قد تعاظمت فإنه لا مجال أمامنا سوى مواجهة التحديات بصدق، سعياً إلى إيجاد حل سياسي يقوم على أسس ثابتة تتطلب اشتراك من يعنيه الأمر في الحل مباشرة، واستعادة الثقة بين الأطراف، وتنفيذ جاد وسريع لإجراءات تصحيحية أوصى بها تقرير تقصي الحقائق في نوفمبر / تشرين الثاني 2011 وتوصيات جنيف في سبتمبر / ايلول 2012.

لا يمكننا الاستمرار في التعامل مع الأزمة على الطريقة التي أدت إلى تعميق الجروح. فمن جانب هناك من يدعي أن فئة مجتمعية كبيرة جداً بكبارها وصغارها، برجالها ونساؤها، وبجميع توجهاتها وأصنافها «تأتمر بالخارج». وعندما تصبح هذه المقولة مملة وغير فاعلة في تضييع الموضوع تجد أن الحديث يتجه للقول «إن المشكلة بين طائفتين مختلفتين على كل شيء». وثم إذا أصبحت هذه المقولة مملة أيضاً ينتقل الحديث إلى «أن المشكلة بين المعارضين والجاليات الأجنبية التي يفوق عددها كل المواطنين من الطائفتين». هذا الطرح أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن، والاستمرار فيه سيعني المزيد من الجراح والآلام.

بالنسبة للكثير من المراقبين ومن اطلع على وضع البحرين أو اشترك في لجنة تحقيق، فإن المشكلة لدينا محددة بشكل واضح، وكل ما يتطلب الأمر هو إفساح المجال للمصارحة بشأنها، ومن ثم الشروع في اتخاذ خطوات واضحة كوضوح الشمس. وعليه، فإن محاولات تضييع معالم المشكلة وتشويشها انما يؤدي إلى تعقيد الحل، والأخطر من ذلك أن البعض يطرح صياغة غير واقعية لطبيعة المشكلة مما يجعلها أصعب بكثير مما لو كان التعامل مع قضية واضحة المعالم. إن العقل البشري أثبت قدرته على قضايا مستعصية، وقضيتنا ليست أكثر تعقيداً من غيرها لو استثمرنا عقولنا لحلها بصورة أفضل.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3815 – السبت 16 فبراير 2013م