صدر يوم الخميس (14 فبراير/ شباط 2013) أول بيان للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بشكلها الجديد، وتركيبتها الفريدة، ولربما هو التوقيت السيئ وحده الذي أوقع أول بيان للمؤسسة ليصادف أمرين، الأول ذكرى الرابع عشر من فبراير، والثاني استشهاد الطفل حسين الجزيري.
فقد صرّح وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي بأن «الانطلاقة الثانية الجديدة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ستكون أكثر ثباتاً وتوازناً؛ وأن المؤسسة ستكون منارة من منارات حقوق الإنسان وبيتاً للخبرة والمشورة في ميدان حقوق الإنسان».
جاء البيان الأول للمؤسسة «مرتبكاً» وضعيفاً، وغير قادر على تلمس الواقع، فقد تحدّث عن حادثة مقتل الشهيد حسين الجزيري، وحاولت المؤسسة الوطنية أن تضفي على نفسها ببيانها أكبر قدر من الاستقلالية والحيادية، إلا أنها عجزت عن ذلك، فلم تستطع أن تبعد «هيبة» السلطة ومخاوفها منها عن مفردات بيانها الملغومة.
شاءت الأقدار أن يكون أول اختبار للمؤسسة بحلّتها الجديدة، من العيار الثقيل، إذ وضعها على المحك لإثبات المصداقية والاستقلالية، فعجزت عن ذلك، بعد عدة سقطات جوهرية.
أول سقطات المؤسسة هي مفردة «الأسف» لوفاة الشاب حسين الجزيري، وليس الإدانة للحادثة، والتي برمتها مخالفة لكل ما جاء في «مدونة سلوك رجال الشرطة»، وما هو متعارف عليه دولياً في طرق التعامل مع مثل هذه الاحتجاجات، حتى اعترفت وزارة الداخلية بإحالة أفراد من قواتها للتحقيق.
السقطة الثانية، في الجملة ذاتها «الشاب» فقد عجزت المؤسسة والتي هي من المفروض مشكّلةً من عددٍ من الحقوقيين والقانونيين، الذين يلمون إلماماً كاملاً بالتشريعات المحلية قبل الدولية، فقد أثرت «سلطة» السلطة على المؤسسة، وحرفت مما يمكن أن يكون لها من حيادية واستقلالية، وغيّرت المؤسسة من تصنيف الفئة العمرية واعتبرته شاباً، بينما هو وفقاً للقانون المحلي والدولي مازال طفلاً، إذ يبلغ من العمر 16 عاماً وخمسة أشهر تقريباً حتى يوم وفاته (مواليد يوليو/ تموز 1996)، مع العلم أن الحكومة ذاتها اعترفت بأنه طفل.
ربما غاب عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان قانون رقم (37) لسنة 2012 بإصدار قانون الطفل، ونص المادة (4) التي نصت بوضوح «يقصد بالطفل في هذا القانون كل من لم يتجاوز ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وذلك مع مراعاة القوانين النافذة الخاصة المنظّمة لمن هم دون هذا السن. ويكون إثبات سن الطفل بموجب شهادة ميلاد أو بطاقة شخصية أو أي مستند رسمي آخر».
المسألة ليست خطأً أو سهواً، في التفريق بين الطفل والشاب، بل في التداعيات الحقوقية والسياسية، التي يعلمها جيداً القائمون على المؤسسة، من مفردة «الطفل» وتأثيرها البالغ، والكلّ يعلم بفارق قتل طفل، وقتل شاب، وخصوصاً في مثل ما نشهده من أحداث.
فقد نصت المادة (8) من القانون ذاته على أن «يكون للطفل الأولوية في الحصول على الوقاية والإغاثة عند الكوارث الطبيعية أو تلك التي هي من صنع الإنسان أو الحروب»، والسؤال إلى المؤسسة والقائمين عليها: هل كانت الأولوية حماية الطفل حسين أم قتله؟ (يمكن مراجعة الصورة التي توضح ذلك والتي انتشرت في كل مكان).
السقطة الثالثة للمؤسسة، وهي مقصودةٌ أيضاً بذكر وفاة الشاب حسين الجزيري، وليس مقتل الشاب حسين الجزيري، والفرق بين الأمرين كبيرٌ جداً.
فالموت هو حالة توقف الكائنات (الحية) نهائياً عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية (مثل التنفس والأكل والشرب والتفكر والحركة إلخ)، وهو فعل بإرادة ربانية من دون تدخل عوامل بشرية، أما القتل فهو فعلٌ يحصل به إزهاق روح. ويقال: «إن القتل فعل من العباد تزول به الحياة».
الحقوقي الحصيف، عندما يشاهد صورة الشهيد، سيعلم بما لا يدع مجالاً للشك، أن ما حدث هو «إزهاق لروح» وليس وفاةً، وحتى بيان وزارة الداخلية اعترف بذلك، وتحدّث وسيتحدث عن حالة «دفاع عن النفس» كما اعتدنا على ذلك، إلا أن الغريب في المؤسسة حديثها عن المحاسبة في حال «ثبتت المسئولية»، وهو ما يوضح لنا أن القائمين على مؤسسة حقوق الإنسان قد لا يثبت لهم تحمّل مسئولية أحد في وفاة (قتل الشهيد) الجزيري، وهي السقطة الرابعة في بيانهم المقتضب.
والسؤال: هل عجزت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وبحلتها الجديدة عن التفريق بين حالة الوفاة والقتل، والطفل والشاب، لدرجة اختلطت عليها الأمور، بحيث أصبحت غير قادرةٍ على تشخيص «المسئولية» التي قد تصبح غير موجودة، فأصبح بيانها فاقداً للقيمة المهنية والأخلاقية في آن واحد، ولتعبر عن أسفها العميق لما حدث؟
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3815 – السبت 16 فبراير 2013م