ونعود للرابع عشر من فبراير/ شباط وما جرى بعده قبل عامين، منذ سقوط الضحية الأولى عشية ذلك التاريخ، وحتى توالي الضحايا التي بدأت بعد ذهاب المحتجين إلى دوار اللؤلؤة، يومها أطل جلالة الملك علينا من شاشة التلفاز الصغيرة لقناة البحرين الفضائية داعياً الى أن يكون اليوم التالي يوم حداد رسمي على «الضحايا» في البحرين.
ولأن الإعلان جاء من الملك مباشرة، ما يعني أن المشاركة في إحياء هذا الحداد لن تعود بالضرر على أحد، قرر بعض الإعلاميين ممن راعهم منظر الدماء على أجساد الضحايا، وشكلت أحداث الأيام الثلاثة صدمة لهم، أن يذهبوا في وقفة تضامنية مع عوائل الشهداء كان من المقرر أن تكون في مجمع السلمانية الطبي لولا الهجوم الذي تعرض له المتواجدون هناك في اليوم المقرر، فتحولت الوقفة إلى مسيرة احتجاجية تضامنية الى الدوار في اليوم التالي.
في تلك المسيرة لم يرفع الإعلاميون شعار تسقيط اي رمز من رموز الحكم، لكنهم هتفوا بضرورة إيقاف صحف الفتنة وضرورة تحييد الإعلام وطالبوا وزير الإعلام حينئذٍ بالتنحي إن لم يحقق إعلاما متزناً ينقل الحقيقة كاملة.
الإعلاميون طالبوا ببيئة صحية تتيح لهم ممارسة مهنيتهم بشكل سليم من غير تدخلٍ من رقيبٍ أو سلطةٍ أو «أوامر من فوق» ومع ذلك استدعي كثير منهم للتحقيق في فترة السلامة الوطنية واعتقل بعضهم الآخر والسبب: المشاركة في هذه المسيرة فاتهموا بمطالبتهم بإسقاط النظام وبتهم أخرى كالتواصل مع جهات أجنبية وبث أخبار كاذبة والمشاركة في احتجاجات واعتصامات غير مرخصة، وكانت جميع المسيرات والاعتصامات في الدوار حينها مرخصة، لكن بعض الإعلاميين بقي في المعتقل لفترات طويلة وبعضهم بقي لساعات وما لقيه من تعذيب وشتم يوازي ما لقيه غيره ممن قضى أياماً في المعتقل.
الإعلاميون كانوا شهوداً على ممارسات لا يمكن أن يقبل بها إنسان حر، فجرى عليهم ما جرى، ومثلهم كان الأطباء الذين عالجوا جراحاً بأعداد لم يشهدوا مثلها في تاريخ عملهم، وشهدوا ارتفاع أرواح الضحايا إلى بارئها واحدة تلو الأخرى. منهم من كان شاهداً على تجاوزات رجال الأمن أيضاً من خلال تعرضه للضرب والاعتداء بالرغم من أنه كان يرتدي زيه الرسمي الذي يدل على مهنته، ومنهم من كان شاهداً على انعدام انسانية المسئولين في وزارة الصحة حينها ممن منعوا انطلاق سيارات الإسعاف إلى مواقع الجرحى. ولأنهم كانوا شهوداً على ما ذكرت وما لم أذكر لاقوا ما لقيه الإعلاميون وربما أشد.
الفصل والتنكيل والتعذيب والشتم لقيه جميع أطياف الشعب ممن شاركوا في الاحتجاجات أو كانت لهم آراء سياسية قد لا تروق للسلطة أو للموالين لها مولاة تامة من غير الالتفات إلى أخطائها وزلاتها التي لا تخفى على أحد.
اليوم وبعد عامين مازال الضحايا يسقطون ومازال المفصولون يطالبون بعودتهم لأعمالهم ومازالت القضايا الكيدية في المحاكم تنتظر قضاءً عادلاً يحكم ببطلانها.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3815 – السبت 16 فبراير 2013م