على رغم ما قيل عن الحوار في نسخته الثانية من عدم اكتمال لبعض أركانه بخصوص ضبابية أجندته وآلياته وآلية اختيار المتحاورين ومدى تمثيلهم للشعب البحريني من عدمه، وعدم توازن التمثيل وكيفية تطبيق مخرجاته وسقفه الزمني وغيرها من أمور يمكن أن يطلق عليها بديهيات، فإنني أدعو الجميع إلى عدم تفويت حوار الفرصة الأخيرة كما أطلقت عليه، والاستمرار في الحوار لأن البديل الذهاب إلى ما لا تحمد عقباه.
وهنا رسالتي موجهة إلى الممثلين الحقيقيين للشعب البحريني مع تحفظي الشخصي على دعوة نواب وشوريين لأن لدينا قناعة تامة – وأكاد أجزم معظم الشعب البحريني – بأن نواب هذا المجلس لا يمثلون إلا أنفسهم، أما الشوريون فهم كاثوليكيون أكثر من البابا، وهم عبء مالي وإجرائي ليس على الحوار فحسب بل على الشعب البحريني!
ان مطالب وحقوق الشعب البحريني التي ناضل من أجلها منذ عشرينيات القرن الماضي حتى تاريخه، وقدّم من أجلها التضحيات والشهداء، يجب أن تكون حاضرةً في قلوب وعقول المتحاورين الذين من المفترض أنهم يمثلون الشعب البحريني، وبالتالي فإن هناك مطالب وحقوقاً يكاد يجمع عليها الشعب البحريني ويجب أن تكون في صلب اهتمام المتحاورين بل هي أساس الحوار.
أولا: يجب التأكيد أن الشعب البحريني هو «مصدر السلطات جميعاً» كما ورد في دستور 2002 من خلال التطبيق الصريح والأمين لهذه المادة، وذلك عن طريق منح الشعب البحريني حقه الأصيل في تشكيل وتحديد صلاحيات السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ وأن يكون الفصل والاستقلالية واضحة بين السلطات الثلاث، وألا يكون هناك تغوّلٌ من السلطة التنفيذية على باقي السلطات حتى نكون قولاً وفعلاً دولة القانون والمؤسسات، وغيرها من تعديلات دستورية جوهرية تحقق الاستدامة السياسية.
ثانياً: يجب أن يفضي الحوار إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين مكونات الشعب البحريني في التوظيف والتعيين والترقي وباقي الحقوق والتوزيع العادل للثروات، فلا يجوز ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين أن يستحوذ أقل من 20 في المئة من الناس على موارد البلد ويعيش أكثر من 80 في المئة من الشعب على 20 في المئة من موارده.
ثالثاً: يجب أن يفضي الحوار إلى تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من خلال التطبيق الأمين وغير الانتقائي لتوصيات اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق «بسيوني»، وتوصيات مؤتمرات جنيف لحقوق الإنسان، وأن تمنح مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية المستقلة وليس الحكومية مساحةً أكبر من الحركة للقيام بدورها الحقوقي، لكي تبرز الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكب داخل المعتقلات أو تمارس ضد المواطنين البحرينيين.
إن عدم تحقيق العدالة الانتقالية قد يتسبب في استمرارية الاحتقان المجتمعي وبالتالي نفقد التعايش السلمي.
رابعاً: يجب أن يتوصل الحوار إلى آلية فعالة لمكافحة الفساد بجميع أشكاله ومن يقف وراءه. وانتشار هذه الآفة من شأنه أن يؤدي شيئاً فشيئاً إلى تقويض أركان المجتمع وبالتالي تهديد استقراره. فالمؤسسات الدستورية تصبح عدماً إذا لم تكن هناك تشريعات متشددة وآليات فعالة لملاحقة الفساد والفاسدين. وهنا يطلب الشعب البحريني من المتحاورين أن يضعوا نصب أعينهم إيجاد التشريعات والسياسات والآليات التي تحافظ على المال العام السائل والعيني من الهدر والسرقة، ويكفي أن نذكر الجميع بتقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التسعة العتيدة والتي أصبحت ديكوراً على الأرفف!
أيها المتحاورون! ابتعدوا عن فخ المحاصصة الطائفية والتخندق المذهبي الذي نُصب لكم من قبل من لا يحبون الخير لهذا الوطن، وتحاوروا بقلب سليم وتحت ظلال من الوطنية الصرفة وتجرّدوا من الذات، وتذكّروا أن الشعب البحريني الشريف الذي خرج في الدوار والفاتح لن يقبل هذه المرة بأن تباع تضحياته ونضالاته عبر السنين على طاولة الحوار بأبخس الأثمان من أجل مصلحة شخصية أو حزبية. فمن يخون شعبه ويفرّط في حقوقه في هذا المنعطف التاريخي المفصلي سوف يكون خائناً للأمانة ولن يرحمه الشعب، وسوف يكون وصمةَ عارِ في جبين الوطن… تذكّروا فالذكرى تنفع المؤمنين فقط… فمن يرفع الشراع؟
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3811 – الثلثاء 12 فبراير 2013م