في المقال السابق ذكرنا أنه لا شيء أفضل من الحوار السياسي لحل المشاكل السياسية، وتطرقنا إلى متطلبات أو شروط الحوار السياسي الناجح، ولم نكن نعرف وقتها أن هناك “محاولات” أو “اتصالات” تجري بالفعل لترتيب “حوار سياسي” بين السلطة من جهة وقوى المعارضة من جهة أخرى، وهو ما تناقلته مؤخراً وبشكل خجول بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
على أي حال فإنه من الضرورة بمكان التأكيد مرة أخرى أنه لا معنى لأي حوار سياسي ما دامت آثار الأزمة السياسية سارية، ونعني سجن الشباب والسياسيين والملاحقات الأمنية ذات الطابع السياسي، وقمع الاحتجاجات السلمية، وهو الأمر الذي يتطلب الإعلان الفوري عن إنهاء ما ترتب على الأزمة من ملاحقات سياسية، وتوقف استخدام العنف المفرط لقمع التحركات الشعبية حتى تكون الأرضية السياسية والشعبية مهيأة لإنجاح أي حوار وطني جاد للخروج من الأزمة السياسية المحتدمة.
والآن لنفترض جدلا أن حواراً سياسياً بين أطراف متكافئة سينطلق قريباً، وأنه من السهولة بمكان معرفة من سيمثل السلطة فمن يا ترى سيمثل المعارضة؟
لا أحد بإمكانه الادعاء بتمثيل المعارضة السياسية بكل أطيافها، فإذا ما استثنينا محاولة إنشاء “الجبهة الوطنية” التي لم نعد نسمع صوتها لأنها على ما يبدو واجهت مشاكل تنظيمية متعلقة بظروفها وطبيعة تشكيلها، فإنه من الواضح أن المعارضة التي تضم أطرافاً سياسية مختلفة غير موحدة حتى الآن تحت مظلة سياسية واحدة رغم الدعوات الصادقة التي أطلقت لتوحيد صفوفها، وكان آخرها دعوة الشباب المدونين في الرابع عشر من الشهر المنقضي لتشكيل ما أسموه “ائتلاف المعارضة” من أجل أن “يقوم برسم خارطة الطريق وانتشال الحراك بعيداً عن فوضى الفعاليات وعشوائية الأهداف”، كما ورد نصاً في البيان.
ولكن من الواضح أن دعوة الشباب المدونين لم تلق التجاوب المطلوب من بعض قوى المعارضة، فتم تجاهلها وشوهت إعلامياً، ما أدى إلى إجهاضها في مهدها.
وحيث إن ادعاء أي طرف سياسي تمثيله للمعارضة ككل سيكون ادعاءً فارغاً ومضراً بالحراك الوطني المطالب بالإصلاح السياسي والديمقراطي، فإننا نكرر ما ذكرناه هنا أكثر من مرة بأن على قوى المعارضة كافة تحمل مسؤوليتها الوطنية في هذه المرحلة السياسية الحرجة، وتوحيد صفوفها مع عدم استثناء أي طرف من أطرافها والإعلان عن قيادتها، ثم التقدم بمشروعها السياسي المتكامل والمتوافق عليه ضمن إطار الدستور، والذي من المفترض أن يتضمن خارطة طريق الحراك الشعبي ورؤيتها الموحّدة لكيفية الخروج من الأزمة السياسية الخانقة، وتحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي.