بالنسبة
للسواد الأعظم من المتابعين العرب والأجانب لمشهد الحراك السياسي الدائر
في البحرين منذ الرابع عشر من فبراير/شباط 2011، تبدو الرؤية غائمة إن لم
تكن مشوشة إلى حد كبير، فقد بقي الحراك البحريني طيلة العامين الماضيين على
الرغم من قوته ومشروعية مطالبه العادلة، بقي رهنا لتغطيات إما منحازة في
اغلبها أو موظفة بشكل متعسف، والقلة القليلة منها تغطيات فضحت حجم
الانتهاكات الصارخة التي ضج ولا يزال يضج بها المشهد البحريني.
وبالنظر
إلى طبيعة وتعقيدات المشهد البحريني طيلة العاميين المنصرمين،فان المتابع
الحصيف والمنصف يستطيع أن يؤشر بيسر على أن الحراك الدائر لدينا لم يكن
مدفوعا فقط بما وفره الربيع العربي من نهوض جماهيري رافض للاستبداد، بل هو
صراع يمتد في حقيقته ومطالبه المشروعة لسنوات بل لعقود سبقت ربيعنا العربي
بكثير، لم تستطع أن تفرغها حيل وآساليب وتوجهات النظام طيلة تلك السنوات،
واشتغلت عليها أجهزة السلطات ومخابراتها وعساكرها، ووظف لأجلها ما يدور في
الإقليم الخليجي والمنطقة من توترات وصراعات مذهبية اشتغلت عليها أقلام
ووسائل إعلام،
ومولتها جهات وأجهزة ومراكز نفوذ وسلطات وساندتها على الأرض قوات درع
الجزيرة التي زعم النظام أنها دخلت البحرين لتوقف ما روج له من تدخلات
خارجية، كثيرا ما استخدمت كشماعة أثقلتها المآسي ولعقود تمتد بامتداد مراحل
الصراع الدائر وآلامه النازفة في هذا الأرخبيل الذي يكتسي حساسية واهمية
إقليمية استثنائية نظرا لاعتبارات جيوسياسية واضحة.
وبعد ما شهده
العامين الماضيين من انتهاكات وجرائم وقتل على الهوية وفصل لألآف من شباب
البحرين من أعمالهم، حيث تُشكل ربما على المتابع البعيد فهم حجم التعقيدات
التي أثقلت كاهل أبناء هذا الشعب في العديد من الملفات ومنها ملفات ذات
خصوصية تفردت فيها السلطات في البحرين، كملف الأطباء والطواقم الطبية
والنقابيين والعمال والمدرسين والنشطاء السياسيين والحقوقيين الذين تقبع
أعدادا منهم في السجون بسبب تهم جاهزة وجنايات ووشايات وإساءات يجري
تلفيقها ورسمها على خلفيات انتقامية.
وحيث تتوالى المطالبات والضغوطات
الدولية على النظام وبعضها من اقرب حلفاءه، مطالبة بتنفيذ توصيات تقرير
لجنة تقصي الحقائق التي اقرها وقبل بتنفيذها ملك البلاد أمام العالم مضافا
إليها أكثر من 145 توصية لمجلس حقوق الإنسان العالمي اقرها وقبلها النظام
أيضا، لكنها لم تلقى حتى الآن جدية حقيقية لتنفيذها، تتخللها دعوات مبتسرة
عدة للحوار كثيرا ما صُنفت على أنها باتت تستخدم كنوع من الهروب من تلك
الاستحقاقات التي لا مفر منها وكتقطيع لوقت لا ريب أن النظام راهن عليه
طويلا ولا يزال، إلا أن مجريات الأمور على الأرض توحي كثيرا بأن شعبا بهذه
الحيوية والصبر والإصرار لن يهدأ حتى تُسمع كلمته التي لا زالت الجموع
تصر على إسماعها للجميع في الداخل والخارج.
آخر دعوات الحوار هذه هي
دعوة وزير العدل والأوقاف البحريني في 23 يناير/ كانون الثاني 2013
للجمعيات السياسية لحوار لم تتضح معالمه أو آلياته ولا حتى الأطراف
المشاركة فيه عوضا عن أجندته المرجوة، حيث تنعدم معالم الجدية المطلوبة من
قبل الجانب الرسمي التي تفضحها بعض تصريحات المسئولين المحسوبين على النظام
الذين اكتفوا بوصفه استكمالا لحوار التوافق الوطني المبتسر الذي تم في
يوليو/ تموز2011 وضمن المحور السياسي، لكن مرة أخرى سرعان ما استجابت لها
قوى المعارضة السياسية في البلاد بمسئولية، حيث طالبت في مؤتمر صحفي عقدته
في 28 يناير / كانون الثاني2013 بضرورة وجود أرضية سياسية واضحة للتفاوض
تنطلق من المبادىء السبعة التي سبق وطرحها ولي عهد البحرين ووثيقة المنامة
ومرئيات التيار الوطني الديمقراطي التي وضعتها قوى المعارضة السياسية منذ
أكثر من سنة، مع ضرورة وجود ضمانات وآليات تنفيذ وتمثيل متكافىء وحوار بناء
مع السلطة بصفتها الطرف الرئيس في الأزمة وليس حوار طوائف كما تريده
السلطة لإبراء ذمتها ولو جزئيا من حالة التأزم التي تسببت فيها.
وهنا
يصح القول أن قوى المعارضة استطاعت أكثر من مرة أن تفوت على السلطة أكثر من
محاولة للالتفاف على المطالب الشعبية المشروعة التي تحقق استقرارا سياسيا
واجتماعيا بات مفتقدا طيلة الفترة الماضية، والتي لن تنال من مشروعيتها
محاولات السلطة تقطيع الوقت أو تهدئة مصطنعة تستبق بها موعد الذكرى السنوية
الثالثة للحراك الشعبي. وحين تخلي الجامعة العربية ومجلس التعاون
الخليجي مسئوليتهما تجاه تحقيق المطالب المشروعة لشعب البحرين، فان
المسئولية الأخلاقية والأدبية تصبح مضاعفة أمام المجتمع الدولي لدعم وحماية
شعب مسالم يمتلك الطموح والإرادة المشروعة لتحقيق العدالة والديمقراطية
والكرامة والتوزيع العادل للثروة ورفض الاستبداد وبناء دولة مدنية حديثة
يستحقها شعب البحرين المكافح.
الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين
مجلة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمّول) – لبنان