يبدو مُحيِّراً موقف بعض القوى السياسية والمجتمعية العربية، الإسلاموية منها خاصة التي تستنكر اليوم التدخل العسكري الفرنسي في مالي، باعتباره من وجهة نظرها حرباً على شعب مسلم، فيما وجدناها هي نفسها التي هللت وطبلت وزمرت للتدخل العسكري الغربي في ليبيا، وكانت فرنسا بالذات، لا غيرها هي قوته الرئيسة، وهي نفسها القوى التي ما زالت تستجدي التدخل الغربي في سوريا أيضاً، تحت يافطة مناشدة المجتمع الدولي لإغاثة سوريا، هي التي تعلم علم اليقين، أننا حين نستخدم عبارة: المجتمع الدولي لا يرد في أذهاننا اسم بان كي مون، وانما أسماء أوباما وهولاند وهيغ والمستشارة ميركل، وغيرهم من قادة الدول الكبرى التي تشكل القوة الضاربة في أي تدخل عسكري دولي مطلوب أو متوقع .
كيف يمكن الجمع بين النقيضين، تارة بإدانة تدخل عسكري في مالي، وبين مناصرة تدخل مشابه من ذات الدول في ليبيا، واستعجاله في سوريا؟ ونحن نعلم من المآل الليبي ذاته، ما الذي يمكن أن يسفر عنه مثل هذا التدخل، بل إن هناك من يذهب للقول إن التمدد الأصولي في مالي ما كان سيتم، بالصورة التي أصبح عليها اليوم، لولا التدخل الغربي الذي أسقط نظام القذافي، الذي كان يحتوي قبائل الطوارق، وبسقوطه أصبحوا حاضنة للقوى الإسلامية المتشددة .
محقاً، وصف الأستاذ جميل مطر، في مقالته في “الخليج” الأسبوع الماضي الموقف الفرنسي بالتدخل العسكري في مالي بأنه “حالة مثلى من حالات النفاق السياسي في العلاقات الدولية ورسم السياسة الخارجية”، إذا أخذنا في الاعتبار الموقف القوي الذي اتخذه الرئيس هولاند في حملته الانتخابية بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان، وهو ما قام به بالفعل حين أصبح رئيساً، ففي الحالين، أي أفغانستان ومالي، نحن بصدد تدخل عسكري في بلد آخر، وتقريباً تحت العنوان نفسه: مكافحة الإرهاب، فما الذي يجعل الرئيس الذي سحب قواته من أفغانستان، بعد أن رأى عبثية وجودها هناك، وما تتعرض له من خسائر، أن يعيد إرسالها وبعد شهور قليلة إلى مالي، حيث لا تبدو المهمة أقل خطورة ولا أقصر مدى زمنياً؟