لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، نحترم الرأي والرأي الآخر والعقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، ديدننا العدل والمساواة.
تناولنا في مقالة سابقة، سريعاً تواتر الأحداث السياسية والحراكات الشعبية، التي قابلتها السلطة بالحلول الأمنية عبر العنف الرسمي، والوعود منذ الخمسينيات وما قبلها، وصولاً إلى التصويت على ميثاق العمل الوطني وما تبعه من إصدار دستور جديد. وحتى هذا الدستور تم تجاوزه إبان أحداث 14 فبراير (شباط) 2011، بإجراءات توحي بتحلل السلطات المؤسسية، ليدخل الوطن في أزمةٍ امتدت قرابة السنتين، وما عاد لها منظور للحل، في ظل معطيات حديثة، من تجمعات سياسية ومدنية مرخصة وغير مرخصة، وفئات شعبية منقسمة إلى معارضة وموالاة، نتيجة الوضع السياسي والاجتماعي المتدهور، الذي أسّست له جهات رسمية بشراء ذمم المتمصلحين من الأفراد، وأظهرتهم بمظهر قيادات لبعض مؤسسات المجتمع السياسية والمدنية الموالية لها، ودرّبتهم على خداع البسطاء من الشعب، عبر آلية شرسة من الفساد والإفساد، مخصّصة لها الدعم الإعلامي، والملايين من ثروات الوطن، في تمييز حاد لهؤلاء القادة الموالين على باقي المواطنين، بما فيهم أتباعهم من البسطاء، المستخدَمين وقوداً لنارٍ تأتي على الوطن والمواطنين، ومدّوا الفساد والإفساد، إلى العمالة الأجنبية، في ظاهرتي الاستعباد والاتجار بالبشر، في الفري فيزا بعشرات الآلاف، وفي اختلاق قيادات متمصلحة لمؤسسات وهمية مثل اتحاد جمعيات الجاليات الأجنبية، لتساهم في تدمير السمعة الوطنية، عبر بث أكاذيب الاعتداء على الجاليات.
ومن أمثلة الجمعيات السياسية الموالية، الكثير، أولها تجمع الوحدة بقياداته التقليدية وائتلافهم بآخرين، وهناك جمعيات لا أثر لها في المجتمع ويُناط بها أدوار موالية حين الحاجة، وهي بجميع أعضائها يُعَدّون على أصابع اليدين.
إلا أن المضحك المبكي أنه خرج علينا إثر دعوة وزير العدل لاستكمال الحوار الوطني في شقه السياسي، جمعية غير مألوف السماع عنها، أدعت إنها إسلامية. وأول محظورات ثوابتهم، غير القابلة للحوار «ان البحرين مملكة دستورية عربية مسلمة، ويتوارث عليها الحكم…»، في مفردات حتى غير لغوية عربية وليست بالسياسية، ولا تحمل رؤية غير ما تم إملاؤه عليهم، وبعدم دراية بنصوص الدستور في تعريف مملكة البحرين مملكة دستورية ديمقراطية، واستبدلوا مفردة الديمقراطية بكلمة أخرى، هكذا تعمل السلطات أو تتيح لمثل هؤلاء العبث بالوطن، ولمن هبّ ودب.
أي حوار وطني تعمل عليه الحكومة، في حين أن المعني الأول به مؤسسة الحكم، وفي ظل غياب أطراف الحوار الأساسيين، وأولهم قيادات الحراك الشعبي المغيبون في السجون، والقيادات المشردة في أقاصي البلدان، وأهالي الشهداء والمفصولين من الأعمال، والمعتقلون من عامة الشعب، والممارسون للحراك الشعبي على الأرض، من الجمعيات والتجمعات السياسية والائتلافات، المرخصة وغير المرخصة، التي تشكل الغالبية الشعبية، لتختزل الحكومة أطراف الحوار في الجمعيات السياسية والمستقلين المرخصين، من معارضة وموالاة، في تغييب كامل لبقية أفراد الشعب وهم المعنيون بالتوافقات السياسية لنظام الحكم، وللدستور وللتمثيل في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، عبر المعيار الديمقراطي الوحيد وهو الانتخاب.
وأي حوار في ظل التصريح الرسمي الحكومي على لسان الناطقة الإعلامية للحكومة الوزيرة سميرة رجب، بأن «الحكومة لن تكون طرفاً في الحوار وإنما منفذون للتوصيات»، إذاً الصراع بين من ومن؟ أليس بين أغلبية الشعب والسلطات في الحكومة بمن فيهم السلطة التشريعية والقضائية واختصاصات الأجهزة، وأي حوار والحكومة تنأى بنفسها أن تكون طرفاً، والصراع في حقيقته بينها وبين الشعب، فهل الصراع بين سنة وشيعة، بين موالاة ومعارضة، أم أنه بين عمال وشركة، أو صراع متمثل في خناقة بين فرجان، إرحمونا سادتي من استغبائكم.
فحل الأزمة التي هي دستورية وسياسية، واجتماعية واقتصادية وقانونية وإجرائية، وحقوق إنسان، وعدالة وحرية ومساواة بمبدأ المواطنة، لا يأتي بحوار الطرشان، بل هو في العودة إلى مرحلة دستور 1973 من بعد الاستقلال، وبالاستفادة من كل مجريات الأمور الوطنية لغاية 14 فبراير 2011، ليُصاغ الدستور بإجراء التعديلات عليه، ليؤكد مبدأ المواطنة دون تمييز بالمذهبية والتجنيس، ويترجم عملياً مبدأ أن الشعب مصدر جميع السلطات، بالصوت الانتخابي المتساوي لكل مواطن، في إجراء انتخابات عامة، لمجلس دستوري تأسيسي، لتعديل الدستور الأساسي 1973، وانتخاب مجلس تشريعي، اختصاصه التشريع والرقابة على أداء الحكومة دون شراكة من آخرين، والاستفتاء الشعبي على الجهة الاستشارية، لمجلس النواب في مجلس شورى أو غيره من الهيئات، وانتخاب الحكومة، والاستفتاء الشعبي على السلطة القضائية، ومراجعة القوانين والمراسيم والإجراءات، بالتعديل بحسب الدستور المعدل، وحل جميع الجمعيات السياسية القائمة على معيار الطائفة والدين، وإبدالها بجمعيات اجتماعية لا شأن لها بالسياسة، فالعمل السياسي الذي لا يستوعب جميع فئات المواطنين، إنما هو فئوي وليس وطنياً، وحل جميع المؤسسات الرسمية من قضاء وبرلمان وشورى وهيئات إعلام وغيرها، من بعد انتخاب مجلس تصريف أعمال يقوم بالبناء من جديد لكل مؤسسات الدولة، تعاوناً مع شخص الملك، في ظل حرية جميع أفراد الشعب ومساهمتهم الإيجابية، وفي مقدمتهم المغيبون في السجون والمنافي، إسوةً بما أتى به الملك إبان الميثاق، وتعويض جميع المتضررين من مواطنين وأجانب جراء الأحداث، ما سبق منها وما لحق.
صحيفة الوسط البحرينية