المقال بجزئيه الأول والثاني
http://www.altaqadomi.com/ar-BH/ViewArticle/20/4597/Selected_articles.aspx
في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012 كنا قد بدأنا الحلقتين السابقتين بالإشارة إلى وجوب أن تتوفر في القائمين على إعداد مسودة القوانين أو تعديلها ثلاث مميزات هي: (أولاً) معرفة القاعدة القانونية؛ من حيث الإحاطة بأبعادها وشروطها وكيفية صياغتها. (وثانياً) الخبرة في مجال العمل المرتبط بالقانون المراد تعديله أو إصداره. (وثالثاً) معاصرة الواقع بالتوطن أو الإقامة الطويلة.
وقد وقفنا في الحلقتين الماضيتين على بعض نصوص قانون العمل المذكور وأثبتنا سوء صياغتها بما يوحي أن القائمين على إعداد مسودة القانون يفتقرون لإحدى المميزات السالف ذكرها، كما رأينا كيف أن تلك النصوص هي في غير صالح الأجراء، وكأن المشرِّع قد أخذ موقفاً سلبياً نحو العمال على ضوء ما كنا قد انتهينا إليه.
وفي هذه الحلقة (الثالثة) سنقف على جانب آخر من نصوص القانون المذكور لنثبت مجدداً صحة مآخذنا على هذا القانون وعلى القائمين على إعداد مسودته، وذلك فيما يلي:
أولاً: تنص المادة رقم (13) من قانون العمل الجديد على أنه «يجب على صاحب العمل إعطاء العامل – أثناء سريان عقد العمل أو عند انتهائه ودون مقابل – شهادة بما يطلبه من بيانات بشأن تاريخ التحاقه بالعمل ونوع العمل الذي قام به والأجر والمزايا الأخرى التي حصل عليها وخبرته وكفاءته المهنية وتاريخ وسبب انتهاء عقد العمل». هذه المادة تقابلها المادة رقم (119) من قانون العمل القديم ونصها هو «يمنح العامل شهادة خدمة تتضمن بياناً لمهنته ومدة خدمته وآخر أجر تقاضاه، ويرد إليه ما قد أودعه لدى صاحب العمل من أوراق أو شهادات أو أدوات».
وبمقارنة نص المادتين المذكورتين نلحظ سوء صياغة نص المادة رقم (13) من قانون العمل الجديد وعدم انتظام تركيبتها اللغوية على خلاف نص المادة (119) من قانون العمل القديم، إلاّ أن مساوئ نص المادة الأولى في الصياغة والتركيب اللغوي ليس لها من تأثير كبير مقارنةً بالضرر الذي يحمله مضمون هذا النص. فبالعودة إلى هذا النص نجد خلاصة مضمونه أنه يُلزم صاحب العمل بأن يصدر للعامل شهادة خدمة يبين فيها تاريخ التحاقه بالعمل ونوع عمله وأجره وتاريخ انتهاء خدمته وأسباب انتهائها.
ومن المقرر أنه عندما يُلزم القانون صاحب العمل بأن يذكر أسباب انهاء خدمة العامل أو سبب فصله من العمل في شهادة الخدمة المقدّمة إليه، فإن ذلك يعد أمراً خطيراً يحيق بالعامل لم نجده في جميع التشريعات العمالية الدولية، بما فيها قانون العمل البحريني القديم، لكونه يحمل في ثناياه ضرراً محضاً بالغ الشدة يصيب العامل على وجه التأكيد في بعض الحالات، كأن يكون إنهاء خدمة العامل أو فصله بسبب فقد الثقة فيه بعد أن اتهمه صاحب العمل بجرم السرقة مثلاً.
فعندما يذكر صاحب العمل هذا السبب في شهادة الخدمة سيكون ضرر هذه الشهادة على العامل أكثر من نفعها لأنها تصبح بمثابة دليل إدانة ضده، ما يضطره للاستغناء عنها بالتأكيد، وباستغنائه عنها يكون قد فقد أهم مرجع يثبت خبرته وسنوات خدمته.
علماً أن قانون العمل القديم – حاله كحال التشريعات العمالية المقارنة – كان قد حرَّم على صاحب العمل ذكر أسباب انهاء خدمة العامل في شهادة خدمته خشية أن يضار العامل من ذكرها، في حين يأتي لنا قانون العمل الجديد ليفرض على صاحب العمل بقوة القانون وجوب ذكر أسباب فصل العامل وأسباب إنهاء خدمته في شهادة الخدمة على نحو ما جاء في النص. ولذلك نخلص إلى القول ان قانون العمل الجديد في هذا الجانب قد أصاب العمال في مقتل. ولا ندري ما الحكمة من وراء ذلك يا ترى! وأي حكمة هذه التي يوظف لها قانون العمل للإضرار بالعمال بدلاً من أن يكون موظفاً لحمايتهم؟
ثانياً: تنص المادة رقم (22) من قانون العمل الجديد على انه «يحظر على صاحب العمل أن يخرج على الشروط المتفق عليها في عقد العمل الفردي، أو عقد العمل الجماعي، أو أن يُكلِّف العامل بعمل غير متفق عليه إلاّ إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعاً لوقوع حادث أو إصلاح ما نشأ عنه، أو في حالة القوة القاهرة، على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة. وله أن يُكلِّف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان لا يختلف اختلافاً جوهرياً عن عمله الأصلي، ويشترط عدم المساس بحقوق العامل».
«ويجوز لصاحب العمل تدريب العامل وتأهيله للقيام بعمل مختلف عن العمل المتفق عليه تمشياً مع التطور التكنولوجي في المنشأة…».
فلو تأملنا قليلاً في الفقرتين السابقتين سنجد فيهما ما يثير العجب:
(1) فبعد أن نص القانون في الفقرة الأولى بعدم الخروج على الشروط المتفق عليها في عقد العمل، وعدم تكليف العامل بعمل يختلف اختلافاً جوهرياً عن عمله الأصلي، عاد في الفقرة الثانية ليعطي لصاحب العمل حق تدريب العامل وتأهيله لمهنة تختلف عن المهنة المتفق عليها «تمشياً مع التطور التكنولوجي» بحسب ما جاء في النص، وهذا يعد تناقضاً ظاهراً في النص.
وكما هو متفق عليه أن التناقضَ في النصوص يزدريها، كما يزدري التناقضُ الأحكام القضائية. مع ملاحظة أن ظاهر النص يشير إلى تدريب العامل وتأهيله لوظيفة غير الوظيفة التي يشغلها، وهو أمر يثير العجب بحق.
فلو افترضنا مثلاً أن مستخدماً يعمل بمهنة مهندس متفق عليها بمقتضى شروط عقد العمل، وحيث رأينا أن القانون – بناء على الفقرة الأولى أعلاه – يُحرِّم على صاحب العمل الخروج على شروط العقد وتكليف هذا المستخدم بعمل يختلف عن عمله الأصلي، فكيف يحق لصاحب العمل في الوقت ذاته – بناء على الفقرة الثانية – إجبار المستخدم المذكور للتأهل لمهنة أخرى غير المهنة الأصلية! وليت أن القانون اشترط قبول العامل بذلك إنما جعله حقاً مطلقاً لصاحب العمل. وليت أنه أيضاً أسند حكمه هذا وعلّله بمقتضى مصلحة العمل لالتمسنا له عذراً، إنما أسنده وعلّله «للتماشي مع التطور التكنولوجي» فقط كما ورد في النص.
إذاً… هذا الحكم بتناقضه أليس هو من قبيل الهُراء؟
(2) بقراءتنا لنص الفقرة الثانية من المادة (22) السابقة، وبناءً على ما تقدم، نجد أن قانون العمل الجديد قد منح صاحب العمل – بناء على رغبته – حق إلزام العامل بتعلم مهنة غير المهنة المتفق عليها التي يعمل فيها عنده، وإن اختلفت عنها اختلافاً جوهرياً، ودون النظر إلى مصلحة العمل. فكأنه بذلك أعطى لصاحب العمل وحده وبدون مسوّغٍ قانوني، حق تقرير مسار حياة العامل المستقبلية وإجباره على تعلم مادة قد لا تروق له أو لا تتفق مع قدراته.
وطبقاً لمقررات واتفاقيات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان؛ ان حرية العمل مكفولةٌ فلا يجوز لأحد إجبار أحدٍ على عملٍ غير راغب فيه، وهذا ما قرّره دستور مملكة البحرين في المادة (13) من أنه «لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلاّ لضرورة قومية وبمقابل عادل أو تنفيذاً لحكم قضائي». فإذا كان إجبار شخص على عمل غير راغب فيه لا يجوز بموجب الدستور، فكيف يجوز لشخص أن يقرر مسار حياة شخص آخر دون إرادته وبدون مسوِّغ .
إنها بحق لصورةٌ مقلوبة، وهذه الصورة المقلوبة لم نرها إلاّ في قانون العمل الجديد، وهذه الصورة وما سبق لنا ذكرها ما هي إلاّ غيض من فيض.
ولنا لقاءات أخرى في الحلقات القادمة لنكتشف من خلالها المزيد من الحيف الذي وقع على العمال من قبل قانون العمل الجديد واعوجاج نصوصه شكلاً وصياغةً، ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهد مملكة البحرين.
صحيفة الوسط البحرينية