أكثر ما يثير استيائي في تحليل الظواهر الاجتماعية هو استسهال من يسمي نفسه اختصاصياً نفسياً واجتماعياً للتنظير البعيد كل البعد عن الواقع العلمي للظواهر وتشخيصها بشكل مبتسر.
لم أصدق ما قرأته من تحليل لأحد الاختصاصيين العرب حول ظاهرة العنف في الكويت، عندما قال بكل ثقة وكأننا مجتمع جاهل لا يفقه شيئاً، وهو يشابه استخفاف الكثير من إخواننا العرب بتاريخنا وثقافتنا ووعينا، يقول الاختصاصي العربي ان سبب العنف في المجتمع الكويتي هو «الأدرينالين» الزائد في دم الكويتيين، والأدرينالين كما هو معروف هرمون تطلقه غدد «الأدرينالز» فوق الكليتين، ويرتفع مع الانفعال أياً كان سواء كان غضباً أو خوفاً أو حتى فرحاً، وله أعراضه المعروفة مثل زيادة دقات القلب وسرعة وضحالة التنفس والتعرق وجفاف الحلق وارتفاع الجلوكوز بالدم الذي يرفع من قدرة الإنسان البدنية سواء للهرب أو القفز أو للدفاع عن نفسه، وهذا يحدث عند الإنسان سواء كان يواجه ديناصوراً في العصور القديمة أو خطراً طارئاً في أيامنا هذه… الخ
وهذا التحليل يشبه تحليلا آخرا سطحيا من طبيب عربي قال لي ان هرمون الـ PSA أو prostate specific antigen وهو ببساطة هرمون تنتجه غدة البروستاتا ويمكن أحياناً عن طريقه تحديد إن كان هناك تضخم أو سرطان في البروستاتا، قال لي هذا الطبيب ان هذا الهرمون شائع عند الرجال الكويتيين دون غيرهم، ورغم أنني أعرف هدف تلميحه الخبيث إلا أنني لن أرد عليه في هذا المجال.
أولاً ورغم أني لست طبيباً أعرف أنه لا يوجد شعب ينتج هرمونات أكثر من غيره حسب معرفتي المتواضعة رغم أن طبيعة الغذاء تلعب دوراً أحياناً، وأن تصريحات مغلفة بالعلم بهذا الشكل هو استغفال لنا كشعب واستهزاء بمعرفتنا وثقافتنا.
وبالطبع هناك من ينظر لظاهرة العنف من زاوية ضيقة مثل التربية الأسرية وغياب الوازع الديني أو الألعاب الالكترونية وأفلام العنف، وحتى أن أحدهم عمم الأمر على الأجيال الشابة قائلاً: بأن لديها «نرجسية متمركزة حول الذات»، هذا الكلام الكبير والمصطلحات الرنانة سواء كانت صحيحة أم خاطئة لا تنظر إلى المشكلة بشموليتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وإنما تطرحها كتشخيص مبتسر قاصر، ولذا فهي لا تضع الحلول للمشكلة أو الظاهرة وإن طرحتها فبمثالية لا تتناسب مع التشخيص العلمي لها.
العنف في المجتمعات وأي سلوك شائع غير ثابت عبر الزمان والمكان، أي قد يكون هناك مجتمع خال من العنف مجازاً ثم يتحول إلى العنف والعكس صحيح، إن أي سلوك مجتمعي يرتبط بالحالة العامة للمجتمع وثقافته في الزمان المحدد، فإن تدهورت الحالة العامة تدهور السلوك وكل شيء آخر معها، وهذا يعني أن السبب العام غياب العدالة الاجتماعية وغياب المساواة في القانون.
فإن كان رجال الأمن أنفسهم يخالفون القانون بل وقد يرتكبون الجرائم ويرتكبون العنف على الناس، وإن كان السلوك السلبي كالسرقة والواسطة والفساد السياسي والإداري يمارس من قبل كبار القوم فإن هذه المسلكيات السلبية تصبح ثقافة سائدة في المجتمع أي ظاهرة وليست مشكلة شاذة ومعزولة.
فمعالجة العنف لا تبدأ بالحلول الترقيعية، بل تبدأ بالإصلاح السياسي وتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، ومراقبة جميع أجهزة الدولة ومحاسبتها سواء كانت تنفيذية أم تشريعية، فالتربية المجتمعية تعني اشتراك جميع المؤسسات الأسرية والتعليمية والإعلامية والأمنية ضمن نسق وسياسة عامة في تربية الإنسان.