الفشل السياسي على المستوى الوطني والمؤسسي في أي بلد يبدو واضحاً إذا
طالت أزمة وتعقدت، أو إذا تطورت لتتحول إلى انقسام مجتمعي، أو تخندق بين
أطراف تعتمد سياسة استنزاف الطرف الآخر. الفشل السياسي أيضاً يمكن استقراؤه
من التصريحات والخطابات المتناقضة على المستوى الرسمي وكذلك على مستوى
المعارضين أو القوى الفاعلة.
ولو نظرنا إلى وضعنا البحريني، فإننا نشهد مظاهر لفشل واضح في التعامل
مع مجريات الأمور، بحيث تتقلص الأرضية المشتركة، ويزداد البعد والتناقض
والنفور. وبالنسبة للنفور، ترى أن شريحة من المجتمع تعتقد بأحقيتها في
الاستحواذ على المقدرات ومنعها عن الآخرين، بينما يزداد حجم الشعور لدى
شريحة أخرى من المجتمع بأنها مظلومة، وأن مظلوميتها ستستمر طويلاً.
ولعل البعض يرى في إشغال الناس ببعضهم بعضاً ربما يساعد في خلق توازن
مجتمعي يوفر المجال لعدم الاستجابة لمطالب غير مرغوب بها، لكن الأمر يحمل
خطورة واضحة. فالمستفيدون من الوضع سيقاومون أية محاولة لتصحيح الأوضاع،
بينما سيتحول الإحباط لدى المتضررين إلى حراك يتموج عبر الزمن، وقد يتجه
نحو أنماط غير محبذة، واستمرار مثل هذا الوضع يؤثر سلباً على الوضع
الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
إن استمرار حالة التناقض تجعل من أطروحة حل الخلافات على أساس فوز
الجميع غير ممكنة، وتتجه الأطراف المتناقضة إلى التفكير بفرض وجودها على
الأمر الواقع بأية صورة ممكنة.
غير أن الذين يؤمنون بمجتمع يتكون من فئات وشرائح متنوعة، متكاتفة
ومتماسكة، فإنهم يرون أن المخرج من «الطريق المسدود» يكمن في توافق على حل
سياسي، يعتمد على «المواطنة»، والمساواة أمام القانون، والاعتراف المتبادل
بأهمية وجود الآخر (بدلاً من النهج الإقصائي الذي يؤمن بضرورة إزالة الآخر
أو استبداله).
المخرج من الطريق المسدود ليس مستحيلاً، وهو يتطلب رجاحة العقل لدى عدد
كافٍ من الجهات الفاعلة التي لا تخون بعضها الآخر، وهذا يعني أن هذه
الأطراف يجب أن تبتعد عن الاعتماد على العواطف والأحقاد والصور النمطية عن
الآخر، وأن تفكر في مستقبل يحتضنها بأمن واستقرار وعيش مشترك وأفق رحب يسع
الجميع ضمن عدالة اجتماعية وبيئة سياسية تحترم الإنسان.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية