المنشور

أي فريقٍ تُشجعون؟



سألتُ
سيدةً عربية متزوجة من عربي آخر، من غير جنسية بلدها، ماذا يكون موقفها في
حال تقابل فريقا بلدها وبلد زوجها لكرة القدم في مباراة فاصلة أو حتى غير
فاصلة؟ مع أي فريق ستكون مشاعر التأييد لديها، هل ستميل بحكم زواجها
وانتماء أبنائها إلى جنسية والدهم لمصلحة فريق بلد الزوج متمنية فوزه، أو
أن مشاعر الانتماء إلى وطنها الأم ستكون أقوى، وستعبر عن تشجيعها لفريق
بلدها وتتمنى فوزه؟ ولم تتردد هذه السيدة في الإجابة، بل قالت على الفور
وبمنتهى العفوية: سأشجع فريق بلدي الأصلي طبعاً .


خطر
في ذهني توجيه هذا السؤال للسيدة العربية بعد مطالعتي رؤية وردت في كتاب
يعالج مسألة الهويات، قدَّمها أحد لوردات بريطانيا يدعى اللورد تيبيت
المُصنف بأنه من المحافظين الذين لا يروق لهم ما تشهده بريطانيا من تنوع في
الهويات ناجم عن هجرة بعض الجاليات، خاصة الآسيوية إليها وإقامتهم الطويلة
فيها، وبالتالي تمتعهم بحقوق المواطنة كاملة .


وعُرفت
هذه الرؤية ب”اختبار الكريكيت”، وحسب اللورد المذكور فإن آية المهاجر
المندمج في النسيج والثقافة البريطانيين هي أن يشجع فريق الكريكيت
البريطاني في حال تواجه مع فريق البلد الذي أتى منه المهاجر: الباكستان
مثلاً، ويترتب على هذا الاختبار نتائج مهمة، فمن يثبت من المهاجرين تأييده
للفريق البريطاني يعامل كمواطن بريطاني مندمج، فيما سيكون الخيار قاسياً
أمام المهاجر الآخر الذي غالبتهُ نزعته الوطنية الأصلية فوجد نفسه مشجعاً
للفريق الآتي من البلد الذي إليه ينتسب هو أو والداه من قبله .


ما
يغفل عنه هذا اللورد هو أنه مضى الوقت الذي يمكن التعامل فيه مع أي مجتمع،
في أوروبا أو في غيرها، على أنه مجتمع صافٍ، فالهوية الشاملة للمجتمعات
تغتني بروافد جديدة، يمكن أن يسميها بعض المتعصبين دخيلة، ولكنها مع الوقت
باتت عنصراً مكوناً للنسيج الثقافي للمجتمع، الذي يشمل كافة أشكال التعبير،
بما فيها المطبخ المحلي، الذي اغتنى بطبخات ووجبات جلبها المهاجرون معهم،
ولكنها سرعان ما دخلت في المطبخ الوطني للبلد المعني، ومن ذلك أن هيئة
السياحة البريطانية ضمت الكاري الهندي مثلاً إلى قائمة المأكولات
البريطانية الأصلية .


الهُجنة،
من حيث هي تداخل الأجناس واختلاط الأنساب والدماء، وتفاعل واغتناء
الثقافات بعناصر بعضها بعضاً، ليست أمراً جديداَ في التاريخ الإنساني، لكن
المؤكد أن العولمة سرعت وتائرها بشكل غير مسبوق .