قبل عامين، في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، انتصرت «ثورة الياسمين»
التونسية بسرعة البرق، وأشعلت معها «الربيع العربي». قبيل هروبه، قال
المستبد زين العابدين بن علي «الآن فهمتكم»… وهو قول ليس بعيداً عما قاله
فرعون عندما أدركه الغرق «قالَ آمنتُ أنَّه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو
إسرائيل وأنا مِنَ المُسلمين، آلآن وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ مِنَ المُفسدِين»
(يونس: 90، 91).
انقضى عامان منذ انطلاق موجة الاحتجاجات والانتفاضات
والثورات العربية المطالبة بالديمقراطية، وشهدنا الكثير من الأحداث
الجسام، كما شهدنا موجة مضادة للربيع العربي تتبنى الطائفية منهجاً وسلوكاً
وهدفاً، وقد تبنت الأنظمة هذه الموجة لحرف مسار الربيع العربي الذي انطلق
على أيدي شعوب المنطقة التي يئست من واقع فرضته القوى الخارجية قبل مئة
عام، ومن ثم تولت أنظمة استبدادية إدامة البؤس والشقاء.
التحديات
الماثلة أمام تلك الدول التي انتصر فيها الربيع العربي، مثل تونس، كبيرة
جدّاً. فهناك تحديات سياسية تتمثل في مدى قدرة الإسلاميين الذين وصلوا إلى
الحكم على الوفاء لمبادئ الديمقراطية والتعددية، وتداول السلطة المنتخبة،
واعتماد نهج تصالحي مع الجميع، كما أن هناك تحديات اقتصادية تتمثل في إيجاد
فرص عمل مجزية للشباب، وفي قيادة عملية تنموية حقيقية كما حدث في دول
ناجحة مثل عدد غير قليل من دول شرق آسيا. وهناك تحديات أخرى تتمثل في قدرة
هذه الأنظمة على حماية السيادة الوطنية، والابتعاد عن العنف وحفظ الأمن من
دون الإضرار بحقوق الإنسان، ومنع استشراء الفساد في النخب الجديدة التي
تتولى مهمات الدولة.
التاريخ سيحدد لاحقاً ما إذا كان الربيع العربي
موجة تاريخية تغييرية في بنية المنطقة نحو الحرية والكرامة والديمقراطية،
لكن إذا كانت هناك دولة ستنجح في تحقيق نتائج تاريخية؛ فإنها ستكون تونس،
هذه البلاد التي تمتلك أكبر طبقة متوسطة في العالم العربي، وهي البلاد التي
يمكن أن تحدث توافقا بين الإسلاميين المعتدلين الذين يمثلون الهوية
الحضارية لشعوب المنطقة، وبين الحداثيين الذين لا يعادون هوية مجتمعهم،
ويرتبطون في الوقت ذاته بالعصر الحالي بكل آفاقه الإنسانية الرحبة.