جاء في القرآن الكريم “وَأَما مَنْ خَفتْ مَوَازِينُهُ فأمه هاوية”، وحسب المفسرين فإن الهاوية من أسماء جهنّم أو أسفل جزء فيها، ويقال إن أصل الكلمة ساميّ، حيث آمن جميع الساميين بأن الهاوية تحت الأرض، وهي مظلمة، لكن لها أبواباً، وهي مكان الجزاء والعقاب .
إن أخذنا الدلالة المجازية للمفردة يمكن فهم لماذا وصف الساسة ورجال الاقتصاد الأمريكيون ما كانت بلادهم على وشك الوقوع فيه عشية رأس السنة الجديدة بالهاوية، وبالاتفاق الذي أُبرم بين الجمهوريين والديمقراطيين قيل إن أمريكا تفادت الوقوع في الهاوية، فهل تراها حقاً فعلت ذلك؟
الذين يفطنون في الاقتصاد يرون أن الاتفاق أدى إلى ترحيل الأزمة فقط وليس إلى تفاديها، لأن ما جرى وصفه ب”الهاوية المالية” يبدو تعبيراً عن صراع اجتماعي، طبقي إن شئتم، بين فاحشي الثراء ومحدودي ومتوسطي الدخل في المجتمع الأمريكي، حيث يقف الحزب الجمهوري، الأكثر يمينية ومحافظة، في موقع الدفاع عن مصالح فاحشي الثراء رافضاً تطبيق برنامج الرئيس أوباما برفع الضرائب على مداخيلهم، فيما بدا الديمقراطيون، الأقل محافظة، أقرب، ولو إلى حدود، إلى الدفاع عن مصالح الطبقات الوسطى والدنيا .
الحل الذي تم بلوغه أظهر من جهة مرونة النظام الرأسمالي في الخروج المؤقت من الأزمات، لكنه لن يحل التناقض البنيوي الذي سيعبر عن نفسه في تجليات مقبلة، قد تكون عاصفة وتحمل آثاراً مدمرة كتلك التي أحدثتها أزمة الرهن العقاري منذ أعوام قليلة، والتي لم يتعاف الاقتصاد العالمي، حتى اللحظة، من آثارها .
الهاوية، أي جهنم لغةً، ابتعدت بعض الشيء لكنها لم تختفِ . لا يمكن أن تختفي خاصة إذا تمعنّا في معطيات دراسة وضعها باحث إقتصادي مرموق اسمه جيمس هنري لمصلحة برنامج “عدالة الضرائب”، قال فيها ضمن ما قال: “هناك ما لا يقل عن 21 تريليون دولار حتى نهاية عام ،2010 مما تمتلكه صفوة من فائقي الغنى في العالم موجودة في حسابات آمنة من الضرائب، ويعادل هذا المبلغ حجم اقتصادي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان مجتمعين، ويقول هنري أيضاً إن مبلغ الواحد والعشرين تريليوناً هو رقم يحوطه التحفظ، إذ قد يصل المبلغ الحقيقي إلى 32 تريليون دولار” .
يحدث ذلك في حين يعاني أكثر من مليار إنسان من الجوع، كما يعيش أكثر من مليارين من البشر تحت خط الفقر .