المنشور

فيلٌ في الغرفة – سوسن دهنيم

تقال عبارة: «فيلٌ في الغرفة» عندما يوجد شيءٌ كبيرٌ واضحٌ يحاول بعض
البشر عدم النظر إليه وعدم التحدث عنه وكأنه غير موجود، وهو مصطلحٌ لا يوجد
إلا في الثقافة الغربية، لم أجد له ترجمةً أو رواجاً في اللغة العربية.

هذا
التعبير يصف بكثيرٍ من الدقة حال الدول العربية التي تعتقد بأنها تحل
مشكلاتها عن طريق عدم النظر إليها وتجاهلها تماماً وكأنها ليست موجودة،
وتسعى لأن تكمم أفواه الآخرين ممن يشعرون بوجودها وأن تُعْمِي أعينهم عن
رؤيتها كي تتفادى البلبلة التي قد ينتجها الحديث حولها وتوفر بذل قليلٍ من
الجهد أو تقديم بعض التنازلات لحلها قبل أن تكبر. وفي حال صرّح أحدهم
بوجودها فإن السلطات في الدولة تقوم باللازم تجاهه؛ لردع غيره وإجباره على
الصمت قبل أن يتفوه بكلمة؛ وليكون عبرة لمن يفكر بطلب تغيير الحال.

ما
يحدث حين نتجاهل مشكلة ما موجودة بحجم فيلٍ كبيرٍ في غرفةٍ صغيرة، هو
بدايةٌ لانفجارٍ محتوم الوقوع وكارثةٍ مؤكدة، وكلما كبر هذا الفيل وازداد
عدد الموجودين في الغرفة كلما كبرت المشكلة وقرب وقت تَحَوُّلها لمصيبةٍ قد
تستعصي على الحل إلا بهدم الغرفة. وهو ما حدث في العامين السابقين في
البلدان العربية التي تفجرتْ وأنتجتْ الثورات والانتفاضات والاحتجاجات ضد
المشكلات التي ظنّت الدول أنها ألجمتها عندما لم تعرْها اهتماماً ولم تشجّع
أحداً على حلّها أو التفكير بها جهراً، حتى بات الصغير قبل الكبير يشعر
بها ويراها من غير أن يقوى على تحملها، فانفجر الربيع العربي الذي تحول على
الأنظمة إلى خريفٍ قاسٍ تارةً، وشتاءٍ أنجب الكثير من العواصف التي اقتلعت
كراسٍ وكادت تقتلع أخرى لولا أن انتبه لها الجالسون عليها، وحاولوا تصليح
ما يمكن تصليحه كما حدث في بعض البلدان التي أخمدت الغضب بتعديلات كان
الشعب يطمح للوصول إليها، فيما ما زالت بعض الأنظمة تتفاخر بالعمى والصمم
وتختبئ خلف الفيل الضخم الذي يكبر ويستهلك الأوكسجين في الغرفة من دون أن
تسعى لتجديد هوائها متسبباً في اختناق الجميع بما ينتجه من ثاني أوكسيد
الكربون الذي ينفثه إن لم يكن هذا الفيل أنثى حبلى فتُنجب فيلة أخرى تفاقم
من حجم الكارثة!

والسؤال المهم الذي يُخْلَق من جوابه حل مشكلة وجود
الفيل بداخل الغرفة هو: من الذي أدخله؟ ليتم بعدها إجبار الفاعل على تصليح
ما اقترفت يداه، وبهذا فإن المشكلة تُحَلّ قبل تفاقمها ويردع فاعلها فلا
يفكر في خلق غيرها، أما حين يترك الفيل من دون الاهتمام بمعاقبة المتسبب في
وجوده فإن مشكلات كثيرة قد تنتج، وفيلة أخرى قد تتكاثر وتتناسل.

في
عالمنا العربي لا تسعى الدول إلى معاقبة الفاعل حين يكون من المتنفذين،
ووجود هذا الفاعل كوجود الفيل تماماً، لا تريد السلطات أن تراه لأنه واحد
من رجالاتها، ويجب عليها حمايته بسبب المصالح المشتركة!

تُرى كم عدد
الفيلة التي توجد في غرفنا من غير أن نقوى على الإشارة إليها وطردها،
وأصحابها خارج المكان؛ لنستمتع بأوكسجين لا يزاحمنا عليه من لا يجب أن يكون
في محيطنا؟!

سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية