أكبر «فضيحة»، هي أن تطلب وزارة التربية والتعليم من الرأي العام والشعب
البحريني بشكل عام والمعلمين بشكل خاص، عدم الاهتمام بموضوع «كشف سفرات
المعلمين أثناء عطلة الربيع»، إذ اعتبرته «خطأً»، لاعتقادها أنها بذلك
ستدلي الستار على فضيحة من العيار الثقيل، بتبريرات واهية.
وما هو
أكبر منها، وهو الاهتمام الكبير بعبارة ردّدها طفل في الصف الثاني
الابتدائي (لا يتجاوز الثامنة) ليوقف عن التعليم عشرة أيام ولدواعٍ سياسية.
والموضوع الثاني يجب الاهتمام به طبعاً، أما الأول فلا يستحق الاهتمام
باختصار.
في نظر وزارة التربية والتعليم والقائمين عليها، التدخل في
شئون المعلمين الخاصة، أمرٌ لا يستحق أبداً «الاهتمام»، فماذا يعني أن
الوزارة أخطأت وطلبت كشوفاً من إدارات المدارس الحكومية تلزم المعلمين
بتحديد وجهة سفرهم وتفاصيل أخرى خلال فترة «إجازة عطلة الربيع»؟ وأين
المشكلة في ذلك؟ قد لا ترى الوزارة أنها تريد أن تقحم نفسها في خصوصيات
المواطنين، أو التطفل عليها فيما لا يعنيها، وليس من اختصاصها، إلا إذا
كانت تريد أن تطبق مفهوم «الوزارة البوليسية» التي تريد أن تعرف كل شيء عن
كل منتسبيها، وأن تُحاط علماً بكل شاردة وواردة يقوم بها من هم تحت مظلتها.
ماذا
يعني أن تطلب وزارة التربية من جميع المدارس كشفاً ملزماً للمعلمين بتحديد
وجهة سفرهم والغرض منه، ومن سيرافقهم؟ ماذا لو لم يتم الحديث عن الموضوع،
لتسرع الوزارة بـ «التبرير»، والتهرب من الموضوع بدواعي «الخطأ»، فهل كان
سيمرّر ويطبق ويصبح إجراءً قانونيّاً متبعاً، يلزم الجميع بالكشف عن تفاصيل
حياته الشخصية للوزارة.
هل كان هذا الإجراء، بالونة اختبار، قد تمر
بسلام، أو تتم فرقعتها في الهواء، بإبرة «الخطأ» وأنه «لا يستحق الاهتمام»؟
الموضوع، يستحق الاهتمام، والتوقف عنده كثيراً، فهو ليس خطأ اعتياديّاً،
بقدر ما هو مخططٌ له أن يتحول لإجراء اعتيادي، والفرق بين الاثنين كبير
جدّاً، فلو مرّ هذا الإجراء هذا العام بسلام؛ فلن يستطيع أحدٌ أن يوقفه
العام المقبل، ليتحوّل إلى إجراء قانوني، بني على عرف حاول مسئولون في
الوزارة تمريره، للضغط على المعلمين.
لماذا كل هذه الزوبعة، على
«خطأ» اعترفت به الوزارة؟ لنتخيل أن هذا الإجراء مرّ بسلام؛ فسيصبح لدى
الوزارة الحق في تكراره وتطويره، والإمعان في متطلباته، فلن تقف عند حد
«عطلة الربيع» وستمتد إلى «العطلة الصيفية»، وقد تنحو به منحى آخر، ويُلزم
المعلم بتقديم كشف يومي عن ممارساته الحياتية بشكل كامل كل يوم بعد الدوام
الدراسي، وبالتفصيل منذ لحظة مغادرته بوابة المدرسة نهاية الدوام، وحتى
عودته إلى المدرسة صباح اليوم التالي.
قد يستحسن ديوان الخدمة
المدنية هذا الإجراء، وبما أنه أصبح «عرفاً» في وزارة حكومية، سيمكن تعميمه
على جميع الجهات والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، ليتحوّل الموضوع إلى
إجراء اعتيادي وروتيني، ويصبح جميع موظفي الدولة ملزمين بتقديم كشوف دورية
عن حياتهم الشخصية للجهات الرسمية!
هذا الحديث ليس جديداً، وقد سعت
شركات في القطاع الخاص بعد أحداث فبراير/ شباط 2011 إلى فرض شروط غير
قانونية على المفصولين لإرجاعهم إلى أعمالهم، ومنها عدم «الانشغال
والاشتغال في السياسة»، وهو إجراء غير قانوني ومخالفة صريحة للدستور
ولقانون العمل الأهلي، وللمواثيق والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها
البحرين، باعتباره تعدياً سافراً على الحريات الشخصية.
السلطة من
خلال وزارة العمل حاولت التبرير لذلك الإجراء من قبل شركات في القطاع
الخاص، بأن «الشركات لم تذهب لذلك الحد الذي فهم»، وأنها «عندما اشترطت هذه
العبارة لا تقصد بها منع العامل من ممارسة حقه السياسي الطبيعي في
المجتمع، بل تقصد أن طبيعة عملها لا تكون عرضةً لتأثير أي أحداث سياسية
نظراً إلى حساسية وحيوية هذه القطاعات بحكم القانون!».
الاستشهاد
بمثال الشركات الخاصة، وموقف السلطة منها، هو لتبيان أن هذه الإجراءات غير
القانونية، يُراد تمريرها بطريقةٍ أو بأخرى، وبدعمٍ رسمي في الكثير من
الأحيان، وفي حال كبر الموضوع ستتم فرقعته بسهولة، واعتباره «خطأ» غير
مقصود، لينتهي الموضوع!
لقد نص الدستور في (المادة 19) على أن
«الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون»، ونصت المادة (31) على أنه «لا يكون
تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها
إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر
الحق أو الحرية».
ما يحدث لدينا حاليّاً، هو شبيه بما طرحه الإعلامي
المصري الساخر باسم يوسف في برنامجه «برنامج البرنامج» عندما سخر من السلطة
المصرية الجديدة، بأنها أصبحت تريد معرفة كل شيء عن المواطنين، حتى بلغ
بها الحال إلى إعداد ملفات خاصة لكل مواطن «بيصلي» أو «ما بيصليش»، حتى قال
ساخراً «الريس بيعرف من بيصلي ومن ما بيصليش».
من الواضح أيضاً أن
وزارة التربية تريد أن تعرف هي الأخرى (من بيسافر ومن ما بيسافرش من
المعلمين)، ومن سيكون معهم، وكم سيحملون معهم من أموال، فلربما قد تستخدم
لتمويل الإرهاب، أو لدعم منظمات خارجية، وقد تكون سفراتهم لأخذ كورسات
تدريبات عسكرية، في ظل تزايد العمليات الإرهابية التي بدأت الوزارة في
عدّها منذ العام الماضي، والتي تستهدف المدارس الحكومية لتعطيل الحركة
التعليمية!