لكي يظل الأمل متقداً، لابد من استذكار الماضي، ولكي نتقدم إلى الأمام
لابد أن تكون الطريق التي عبّدها المناضلون بتضحياتهم ماثلةً لنا في كل
لحظة، لنتيقن بأن ما مضى لم يكن إلا خطوات نحو مستقبل لابد أن يأتي، وأحلام
لابد أن تتحقق وإن طال الانتظار.
هكذا مر العام الماضي 2012 بكل
مآسيه وآلامه، التي سأتطرق لها في مقالات قادمة قضيةً بعد أخرى، فلقد شهدت
البحرين خلال هذا العام الكثير من الأحداث التي ما كان لها أن تكون لولا
العناد البغيض لدى البعض ورغبة البعض الآخر في جني المزيد من الأسلاب
والغنائم وانغلاق الأفق عن أي مخرج يمكن أن يعيد البسمة والفرحة للآلاف ممن
أصبحوا لقمة سائغة لأكلة لحوم البشر، لمجرد مطالبتهم بالإصلاح.
خلال
العام الماضي فقدت البحرين 11 ضحيةً موثّقةً رسمياً، 11 قتيلاً سقط ولم
يقدّم أحدٌ للمحاكمة، 11 مواطناً من بينهم أربع حالات بسبب استخدام السلاح
المحرّم دولياً (الشوزن)، فيما قتلت الضحية الخامسة نتيجة رصاصة مفردة
(مسدس) لم يعرف مطلقها حتى الآن.
تشير الحالات الموثّقة إلى أن 253
موطناً أصيبوا بجروح، عددٌ منها خطيرةٌ جداً نتيجة استخدام سلاح الشوزن من
منطقة قريبة من الضحية لا تبعد الا متراً واحداً أو مترين، مع العلم أن هذه
الإحصائية غير دقيقة بسبب عدم توثيقها من قبل المنظمات الحقوقية، نتيجة
خوف المصابين من كشف هوياتهم لكي لا تتم ملاحقتهم من قبل الجهات الرسمية.
الجمعية
البحرينية لحقوق الإنسان وثّقت 174 حالة إصابة بطلقات الشوزن منذ بداية
العام 2012 ولغاية الأول من شهر يونيو/ حزيران 2012، فيما تشير إحصاءات
دائرة الحريات وحقوق الإنسان في جمعية الوفاق إلى إصابة 181 جريحاً منذ
الأول من يوليو/ تموز 2012 ولغاية نهاية العام من بينها 79 إصابة بطلقات
الشوزن، و18 إصابة بمسيلات الدموع، و33 حالة ضرب و51 إصابة بطرق متفرقة.
ومع
أن هذه الحالات قد تم توثيقها إلا أن غالبيتها لم تحصل على العلاج، سواءً
في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، وللسبب نفسه: الخوف من الملاحقة
والاعتقال. ولذلك فهي تعيش الآن معاناتها في صمتٍ رغم الآلام والمخاطر
الصحية التي قد تودي بحياتها في أي لحظة.
الكثير منهم يعيش وبداخل
جسده 20 أو 30 أو حتى 50 شظية شوزن، بعضها في أماكن خطرة كالرأس والبطن أو
الظهر، ولكن ما يثير الريبة في نوايا مطلقي هذه الشظايا أن أغلب الإصابات
في المنطقة الخلفية من الجسم، ما يعني أن المصابين لم يكونوا في حالة
مواجهة، كما يُبرّر غالباً بأن قوات الأمن كانت في حالة الدفاع عن النفس.
وتؤكد
التوصية رقم (1113) من تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق أن قوات
الأمن كانت تستخدم القوة المفرطة التي لم يكن هناك داعٍ لاستخدامها، ومن
بينها استخدام طلقات الشوزن ضد المواطنين، إذ تنص هذه الفقرة على: «وجدت
اللجنة أن وحدات من قوات الأمن استخدمت بنادق الشوزن في كثير من الحالات
على رغم عدم وجود ضرورة، وبشكل عام، أطلقت وحدات من قوات الأمن العام النار
من بنادق الشوزن على مدنيين في حالات لم يكن أفراد الشرطة فيها معرضون لـ
(خطر محدق يهدّد إما بالموت أو بإصابات خطيرة) وفي الحالات التي تعرضت فيها
وحدات من قوات من الأمن العام للهجوم من مدنيين لم تبرر طبيعة هذه الهجمات
ولا كثافتها، في معظم الحالات، استخدام بنادق الشوزن ضد المدنيين».
من
يشك في ذلك عليه مشاهدة الفيديو الذي تعرض فيه الأمين العام لجمعية الوفاق
الشيخ علي سلمان لمحاولة إصابته بطلق ناري مباشر أثناء مسيرة سلمية في
منطقة البلاد القديم، والتي لم يبدِ فيها المتظاهرون أي مظهر من مظاهر
العنف، ومع ذلك أطلقت رصاصات الشوزن عليهم من مسافة قريبة جداً، أصابت
إحداها الشاب علي الموالي في رأسه، ولم ينقذه من الموت المحقق إلا عناية
الله، ليدخل بعدها غرفة العناية المركزة في مجمع السلمانية الطبي لعدة
أشهر. وهناك أيضاً إصابة الطفل أحمد النهام ذي الأربع سنوات الذي أصيب
بطلقٍ في إحدى عينيه، والعضو البلدي السابق صادق ربيع، والشاب عقيل
عبدالمحسن من منطقة بني جمرة والذي حطّمت شظايا الشوزن فكّيه وشوّهت وجهه
الجميل… وغيرها الكثير الكثير من الإصابات التي لم تدمِ أجساد ضحاياها
فقط، وإنما أحدثت جرحاً غائراً لن يُنسى في روح الوطن والمواطنين
المخلصين… هذا بعض مما قدّمه دعاة الإصلاح من تضحيات خلال العام
الماضي… فماذا قدمتم؟