المنشور

طبيعة الحراك السياسي

أسئلة عديدة تُطرح حول تعريف الحراك الذي تشهده البحرين من سنوات طويلة،
والذي وصل إلى نقطة تحوُّل تاريخية في فبراير/ شباط 2011. ولو تركنا جانب
التصنيفات والاتهامات غير المنصفة للمعارضين، فإن الحركة التي تناغمت مع
الربيع العربي تحتاج إلى تعريف أكثر واقعية. فهل هذه الحركة تسعى لإقامة
نظام ديمقراطي بحسب الفهم الغربي، أو بحسب النسق الذي سارت عليه الأمور في
تونس ومصر مثلاً؟ أم هل أنها حركة للحقوق المدنية لفئة من المجتمع تسعى
للمساواة مع غيرها من الفئات الأخرى في تكافؤ الفرص في العمل، والسكن،
والتعليم، والعدالة في الدوائر الانتخابية، والمساواة في الحصول على خدمات
المرافق العامة، والحق في عدم التعرض للتمييز؟ أم هل أنها شيء من هذا وشيء
من ذاك؟

السؤال مهم لأن الفرق كبير بين الاثنين، رغم أن هذا لا يناقض
ذاك. فالحركة التي تسعى لإقامة نظام ديمقراطي لها متطلبات عديدة من حيث
التعددية في الطرح والمنهج، وفي التكوين. كما أن إقامة نظام ديمقراطي كما
هو متعارف عليه في الدول الغربية مثلاً تحتاج إلى اعتبارات كثيرة من بينها
أن الروابط بين أفراد المجتمع تتأسس على علاقات «مدنية» أكثر قوة من
العلاقات التي تتأسس على الرابطة الطائفية أو الرابطة القبلية – العائلية.
فالدول الغربية (ماعدا شمال ايرلندا) ليس فيها قبائل وطوائف تحدد مسار
المجتمع والدولة، كما أن دولاً مثل تونس ومصر لا توجد فيها قبائل وطوائف
بالشكل الذي نجده في دول الخليج مثلاً.

في حال كانت الحركة ترتبط
بالحقوق المدنية، فإن الوضع يختلف. في هذه الحال فإن هناك فئة من المجتمع
تشعر بأنها لا تُعامل مثل غيرها، وسواء كان النظام ديمقراطيّاً على النمط
الغربي المتعارف عليه حاليّاً، أو كان يتخذ أي شكل آخر من أشكال الحكم، فإن
هناك فئة مجتمعية تود أن ترى معاملة متساوية من قبل النظام تجاهها.

لنأخذ
حركة الحقوق المدنية التي قادها السود في الولايات المتحدة الأميركية في
خمسينات وستينات القرن الماضي، فسنجد أن تلك الحركة كانت تسعى إلى حصول
الأميركيين الأفارقة على حقوق المواطنة الكاملة الواردة في الدستور
الأميركي والتي يتمتع بها الأميركيون من أصل أوروبي. وكانت ولايات أميركية
عدة تفصل السود عن البيض في المعاملات اليومية. وتولى قيادة الحركة شخصيات
عظيمة التأثير مثل الشخصية المسلمة مالكوم اكس، والقس مارتن لوثر كينغ،
ونتج عن ذلك النضال نزول الحكومة الفدرالية والمحكمة العليا عند رغبة
المحتجين لفرض قوانين حماية حقوق المواطنين الأميركيين من أصل إفريقي. كما
نتج عن ذلك تغييرات جوهرية كثيرة، من بينها تغيير تكوين قوات الشرطة لكي
تحتوي على السود على مستوى القيادات وعلى مستوى القوات التي تنتشر في مناطق
السود. ونحن نعيش في فترة جديدة إذ تمكن الرئيس باراك أوباما من أن يصبح
أول رئيس أميركي من أصل إفريقي وذلك بفضل حركة الحقوق المدنية.

كل ما
ذُكر أعلاه لا يعني أن المجتمعات التي تطغى عليها الطائفية والقبلية لا
يحق لها أن تسعى لإقامة نظام ديمقراطي تكون فيه رابطة «المواطنة» هي
الأساس، ولكن في هذه الحال يحتاج أي تحرك سياسي إلى أخذ كل تلك العوامل
بعين الاعتبار للحد من تأثيراتها السلبية.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية