لقد اتصل بى الكثير وربما تساءل الكثير عن أسباب توقفي عن الكتابة، وكان
جوابي واحداً للجميع، وهو أن القادة السياسيين والمسئولين في هذا البلد
يطبقون قاعدة ذهبية مقدسة ألا وهي: «اكتب ما تشاء وانتقد ما تشاء ونحن نفعل
ما نشاء». أي كما يقول المثل الشعبي: «بن عمك أصمخ»، هذا من جهة ومن جهة
أخرى شعوري بالإحباط لأنني وغيري من أهل البحرين الشرفاء الذين يتحركون في
مختلف الجهات منذ أكثر من عام من أجل حلحلة الأزمة السياسية التي عصفت
بالبحرين ولكن لا يريد أحد أن يسمع أو يستجيب لمبادراتهم من الفرقاء
السياسيين، رغم أن في مبادراتهم الكثير من العلاج الذي يمكن أن يجنب البلد
الانزلاق إلى الهاوية وكأن الشعب البحريني لا يعنيهم! وكأنهم ينتظرون أن
يأتي الحل أو الفرج من الأجنبي، تطبيقاً للمثل الشهير: «مغني الحي لا
يطرب». وقد حذرنا سابقاً ونعيده الآن من أن يتم تدويل ملف البحرين السياسي،
حينها لا يمكنك إلا أن تنفذ إرادة المجتمع الدولي شئت أم أبيت.
بداية
أقدم خالص شكري وتقديري لمن اتصل وتساءل عن أسباب توقفي عن الكتابة وأقول
لهم إن مشاعركم ووطنيتكم هي التي جعلتني أشحذ الهمم وأستجمع القوى من جديد
لمواجهة الأمواج العاتية حماية للثوابت والمكتسبات الوطنية من خلال القلم،
ولعلَّنا نجد ممن يقرأ ما بين السطور لأنه إذا «فات الفوت ما ينفع الصوت»!
إن دعمكم هو الزاد الذي يحتاج إليه الكاتب الوطني في بلد أصبح فيه العديد
من الدعاة والخطباء والكتاب والصحافيين والإعلاميين يُباعون ويُشتَرَون في
سوق النخاسة السياسية ويُجنّدون لضرب كل من يطالب بحقوق الشعب البحريني
المشروعة.
ومع إطلالة العام الميلادي الجديد وجدت من المناسب أن أبدأ
كتاباتي بمقال يعبر عمّا يجول في عقول وصدور أهل البلد الطيبين ويحترم
عقولهم ومشاعرهم، الذين ضاقوا ذرعاً بما يجري على أرض وطنهم والذين يقولون
للفرقاء السياسيين كفاكم مناكفة، كفاكم غلواً وكفاكم رقصاً على جروح هذا
الوطن. إن ما يريده الشعب البحريني يا سادة واضح وضوح الشمس ولا يحتاج إلى
بوصلة أو خارطة طريق أو تدخل الأجنبي أو حتى حوار! فالشعب يريد أن يحظى
بحياة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ترقى إلى مستوى نضالاته وتضحياته
على مر القرنين الماضيين. الشعب يريد أن يعيش بكرامة على أرض وطنه، وهنا
نضع أمام من ضلّ الطريق أو من يحتاج إلى بوصلة أو من يغطي عينه وأذنه عمداً
عن رؤية وسماع ما يريده الشعب البحريني:
الشعب البحريني يريد أن
يحظى بسلطة تنفيذية (حكومة) يتوافق عليها الشعب مع الحاكم، يكون فيها الشعب
شريكاً لا متفرجاً؛ حكومة يكون ولاء وزرائها للوطن وليس للشخوص؛ حكومة يتم
اختيار أعضائها من الكفاءات الوطنية المشهود بعلمها وخبرتها ودرايتها
ونزاهتها وقبولها الشعبي، لا على أساس أن يكون الوزير من جماعة (الشور شورك
يايبه). حكومة يستطيع وزراؤها أن يكون لهم رأي وأن ينفتحوا على الشعب،
أليس الوزراء أعضاء في سلطة تنفيذية (موظفي خدمة مدنية) دورها خدمة الشعب
وليس التعالي على الشعب؟ حكومة يتم محاسبة رئيسها وأعضائها من قبل برلمان
الشعب؛ حكومة تقرن الأقوال بالأفعال عند علاج مشاكل وهموم المواطنين، هكذا
حكومة يجب أن تقرّ بها عيون الشعب البحريني.
الشعب يريد أن يحظى
ببرلمان يصل نوابه إلى ساحته عن طريق إرادة وطنية حرة لا عن طريق تزوير
الإرادة الوطنية في الدوائر السنية من خلال توفير الدعم المالي وتجيير
أصوات العسكريين ومزدوجي الجنسية لصالح مرشحي الحكومة على حساب المرشحين
الآخرين. برلمان سيد قراره لا يتم توجيه أجندته وحواراته بـ «الريموت
كنترول»، برلمان تحسب له الحكومة مليون حساب، يستطيع أن يحاسب الحكومة
وأعضاءها ويراقب أداءهم، برلمان يعالج هموم الوطن والمواطن من خلال
إستراتيجيات وسياسات وآليات تعالج جذور المشاكل لا ترقّعها.
برلمان
يستطيع أن يحافظ على المال العام من الهدر والسرقة، والشعب يريد نواباً
(يترسون) الكراسي لا نواباً يستجدون الوزراء من أجل مصالح حزبية أو شخصية
ضيقة.
الشعب البحريني يريد أن يحظى بقضاء مستقل عن السلطة التنفيذية،
قضاء سيد نفسه، قضاء يستطيع القاضي فيه أن يحقق العدالة وينصف المظلوم،
دون أن تهتز له شعرة في رأسه، قضاء لا يخشى فيه القاضي الإقصاء والإبعاد
والتجميد إذا أصدر حكماً لم يعجب فلاناً أو علاناً. يجب أن يكون للشعب قضاء
ونيابة عامة قامتهما عالية لا ينحنيان لمخلوق. قضاء يمثل أمامه كل الناس
بغض النظر عن حسبهم أو نسبهم أو عائلتهم. قضاء ونيابة يستطيعان أن يستجوبا
وزيراً أو أي فرد بغض النظر عن حسبه ونسبه وعائلته. ويُدان ويسجن إذا ثبتت
التهم عليه حاله حال العباد. إذا حققنا ذلك نستطيع أن نقول بأننا نعيش في
دولة القانون والمؤسسات.
الشعب يريد أن يحظى بإعلام وطني حر ونزيه
يقف على مسافة واحدة من الجميع، إعلام لا يُستخدم فيه المرتزقة والمأجورون
لتأجيج الطائفية والقضاء على اللحمة الوطنية، الإعلام المحايد الذي ورد
ذكره في تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة «بسيوني». أن ما ذكره تقرير
«بسيوني» حول الدور الوطني للإعلام في جسر الهوّة بين مكونات الشعب بعيداً
كل البعد عمّا يبثه إعلامنا المرئي والمقروء والمسموع من سموم وتشهير
وتخوين! إلى متى سنسمح لإعلاميي البطاقات المدفوعة الأجر أن يواصلوا ضرب
ثوابت ومكتسبات الوطن؟ الشعب البحريني يريد أن يعيش عزيزاً مكرماً مرفوع
الرأس؛ فهو ليس بأقل في ولائه لقيادته وسيادة وطنه من شعوب الدول المجاورة.
البحرين يا سادة ليست كما يشاع عنها أنها دولة لا تملك الموارد أو أنها
دولة دخلها محدود، اسألوا أهل الاقتصاد والمال وأصحاب الملايين والمليارات
من البحرينيين والأجانب والمنظمات المالية الدولية، سيقولون لكم بأن
البحرين تستطيع أن تجعل شعبها يعيش وضعاً مادياً واجتماعياً أفضل مما هو
عليه الآن وليس بأقل من مستوى مواطني الدول المجاورة، ولكن لو توافرت
الإرادة الوطنية وصدقت النوايا لدى مؤسسات الدولة وسدت منافذ الفساد، وأصبح
المواطن قولاً وفعلاً هو هدف التنمية ووسيلتها.
لقد حان الوقت الذي
يأخذ فيه المواطن البحريني حقوقه المعيشية كاملة، ويتمتع بثرواته وخيراته
من خلال التوزيع العادل للثروة وسد منافذ الفساد، وكذلك من خلال المراقبة
الصارمة للمال العام والمحاسبة الدقيقة والصارمة للفاسدين الذين يهدرون
المال العام ويستولون عليه من غير وجه حق. وهنا أسأل من يهمه الأمر إن كان
يهمه الأمر! لماذا لم تحرك سلطات الدولة الثلاث (الحكومة – مجلس النواب –
النائب العام) ساكناً تجاه تقارير ديوان الرقابة المالية التسعة العتيدة؟
إذا كنتم تعترفون بوجود الفساد إذن أين الفاسدون؟ هل هم موجودون على كوكب
زحل؟ أينكم من نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها
مملكة البحرين واعتمدت تنفيذ بنودها!؟ الجواب بسيط هو عدم توافر الإرادة
الوطنية لدى مؤسسات الدولة وذلك بسبب انتشار ظاهرة تضارب المصالح وتداخلها
وبالتالي تدني مستوى الشفافية والنزاهة الوطنية، واسألوا أهل العلم أن كنتم
لا تعلمون!
إن الشعب البحريني الذي ناضل ضد الظلم والاستبداد
والاستعمار منذ عشرينات القرن الماضي ودشن أول عملية انتخابية حرة آنذاك،
جاء الوقت الذي يحصل فيه على ما يستحق من حقوقٍ ترقى إلى حجم نضالاته
وتضحياته… إن هذا الشعب الأبي والوفي لقيادته ولأرضه، يجب أن يتم احتضانه
بكل مكوناته، وألا يترك تتقاذفه الأمواج الهائجة ويصبح لقمة سائغة أمام
الأطماع العربية والأجنبية، كما يتوجب أن يتم التعامل معه كشريك أصيل في
صنع القرار السياسي والسيادي لا متفرج أو عابر سبيل. فمن يرفع الشراع؟