الرسالة الأولى
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض أن يسمينا بالأغلبية الصامتة، وأحدنا قد بحث في عقله وفي
وجدانه عن طائفته، فلم يجد غير المواطن والإنسان، قد نتقاطع مع هذا أو ذاك
منهم، وقد نختلف ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي، ونسمع
ونرى بالمقابل، الإثباتات الرسمية عبر التلفزيون الرسمي، وعبر الصحافة
الرسمية وشبه الرسمية التي تتبرع بالذود عن الموقف الرسمي، ولكن بخطاب
وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية، وقد بخلتم علينا
سموكم، إلا بإطلالة كريمة واحدة، استطعتم خلالها تلخيص مطالب الحراك، في
مبادرتكم ذات المبادئ السبعة، وقد كانت كلها حق مشروع، نص عليها الدستور في
روح نصوصه التي تم تجاوزها من بعض أجهزة الدولة، ففرحنا أن لدينا سموكم
ووراءكم صاحب الجلالة، من تُقدران حقوقية المطالب، خصوصاً بعد مضي عشر
سنوات على التوافق على الميثاق، من دون أن نرى أجمل الأيام، فكان مصدر
سرورنا، إننا سنراه قريباً.
الحراك، وإن كان في خالص مظهره، في حضور غالبيته العظمى من أفراد أحد
مكوني الشعب، فإن السلطات لم تمهله إلا أياماً ثلاثة، ولم ترخِ السمع
لمطالبه، ولم تتواصل معه، لا من قريب ولا من بعيد، فتم قمعه بقسوة، نسيناها
منذ التسعينيات، حَسّسَتنا أن هناك حلقة مفقودة ما بين روح الميثاق
والدستور، وتصرفات السلطات السياسية، وقد ساءنا من تلفزيون البحرين
والصحافة الرسمية وشبه الرسمية، عدم النزول عند رغبة سموكم، في ضرورة إشراك
المعارضة في ساعات البث التلفزيوني، والمساحات الصحافية، وقد كانت تلك
منكم، لفتة سياسية حصيفة، كانت ستقطع حاجة قيادات الحراك للقنوات الفضائية
الأخرى، وكانت سترفع الميزان بين الحق والباطل لدى كامل أفراد الشعب، وكانت
ستكون أولى لبنات التواصل والحوار بين أطراف المجتمع وتلاوينه، فالحوار لا
يكتسب مشروعيته وإفادته ونتائجه، بالجلوس في غرفة مغلقة، فلم يعد الحرف
المسموع من مخارج الكلم، محصوراً لمجتمعين حول الطاولة، وليس أولئك
المجتمعون هم محور الحوار، لذا جاء الصوت الشعبي عبر الاستفتاء والانتخاب،
هو المقرر والحاسم، وهو السبيل إلى تَبيّن حقيقة الأرقام في الغالبية
والأقلية.
وبعدها لا نعلم إن جرى حوار أو تواصل بين سموكم وأطراف الحراك، وقد كنا
نأمل إطلالة منكم ثانية، وثالثة، لنعرف نحن مَن لم نكتب لكم، كما كتبت
جماعات عدة، شاركت أنا شخصياً في إحداها، ولم أجد في خطابها إلا التملق
والمآرب الشخصية، باستخدام التسرع بذريعة ضيق الوقت، الذي كنت أرى وجوب
إطالته، توازياً مع دعوة سموكم للتلفزيون لبدء حوار بين الأطراف الرسمية
والمعارضة، مما حدا بي ترفيع حصافة تفهُّم سموكم، عن فحواها فلم أوقعها،
لنعرف نحن من لم نكتب لكم، ماذا يجري في وطننا ولوطننا.
وحضر بعضنا في الدوار وبمبادرات فردية، من بعد مبادرة سموكم، وكانت لنا
محاولة لتقنين موضوعية المطالب والشعارات، وقد شاركنا في حوارات كانت ستقود
لعقلنة تلك المطالب والشعارات، وتعلم سموكم، صعوبة ثني من فقد عزيز، ومن
شاهد وأصابته فظاعة بعض نتائج القمع، ثنيه عن شعار رَفَعَه، ولكن كان
الحوار الحصيف الذي تؤمن به، واعتذار حصيف من السلطات، ووعد مبرور منها
بمحاسبة الجناة، كان سيلف محصلة الحراك بتوافق مع السلطات، دمجاً لمطالبه
ومبادئ مبادرتكم، ولكن… جرى ما جرى، من تلك الإجراءات التي صعقتنا، ولم
نكن نتوقعها، فزادت الطين بلّة، وقبلها وبعدها إلى يومنا هذا، ساد التحريض
الطائفي والتعدي على معتقدات طائفة كريمة من طائفتي المجتمع الأساسيتين،
بقيادة بعض أطراف السلطات، وتنفيذ الأجهزة الحكومية تعاوناً مع التلفزيون
الرسمي والصحافة الرسمية وشبه الرسمية، ومعتلي بعض المنابر الدينية،
والجمعيات السياسية الدينية بدافع صراعها الفقهي مع فقه الطائفة الأخرى،
وباستغلال التراخي في المحاسبة من قبل السلطات، وربما التشجيع، ما عَمّق
الخلاف الطائفي (لم يصل للكراهية إلا لدى أفراد)، ونَشَرَه في أفواج من
أفراد المجتمع، وليس كامِله، من بعد الإيهام أن الطائفة الشيعية الكريمة
والتي ربطها التحريض بإيران، العدو التاريخي للبحرين، عازمة بين ليلة
وضحاها، على اجتياح البحرين في إسفاف بوجود الطائفة السنية الكريمة، ما
أوصل الوضع الاجتماعي إلى ما دعا سمو رئيس الوزراء، إلى النزول للبسيتين،
وطمأنة الشباب بقيادة الدينيين وأعضاء مجالس بلدية من الطائفة، أن ليس هناك
من هَدَّة طائفية، وكانت قد تدنت الحالة الأمنية بسبب غياب رجال الأمن عن
الساحة وانتشار ظاهرة المليشيات الطائفية.
واسمح لي سموكم، أن أروي لكم تجربة شخصية، يمكن أن يستسقى منها عدة
أمور، أولها أن الشجاعة التي تقمصها حاملو السلاح الأبيض والألواح المسمرة
في البسيتين، ما هي إلا نتيجة خوف الآخرين على أنفسهم من جهالة تلك
المجموعات والتي ستراها في الحدث، الثالثة صباحاً تلقيت اتصالاً من أحد
تسعة عمال هنود يعملون لدي، بأن ما يقارب المئة والخمسين من المسلحين
بالسواطير والأخشاب المسمرة، صعدوا لهم على أسقف حجرات بيتهم الذي وفرته
لهم سكناً آمناً في نخل الوالد المعروف بنخل سيادي، مهددين إياهم بحرق
البيت وحرقهم إن لم يفتحوا الباب، وحين حضوري وجدت ما يقارب عشر سيارات
شرطة، بعضهم منصرفٌ ويدلني على أخرى معنية بالموضوع، وتبيّن أنهم قرّروا
مهاجمة البيت، بدعوى أن ثلاثة من الطائفة الشيعية الكريمة مختبئين في
البيت، من بعد ارتدائهم عباءات النساء، وفي حضور الشرطة، سألت قائدهم الذي
لم أره قبلاً ولا مرافقيه، هل أنتم تهاجمون ممتلكات عائلة سيادي، فصرخ
منادياً فرداً من المراهقين من العائلة، كان بمعيتهم، هل تعرف هذا وهو يشير
إلي، ويبدو أنه أومأ له بالإيجاب، فحاول الانصراف، ولكني أصريت أن أتصل
بالعمال ليفتحوا الباب للتأكد من دعواهم، ومن داعي تصرفهم، مع التأكيد له
أن لا أحد منهم سيدخل البيت، بل الشرطة، ولحظة فتح الباب، انطلق أحدهم،
رافعاً خشبة مسمرة، عبر الشارع جرياً سريعاً باتجاهي والعمال من خلفي،
اضطررت لدفعه في صدره بمعاونة قائدهم، حال وصوله، ملتفتاً للقائد، سائلاً
إياه، ماذا يريد صاحبك؟ هل نيته ضرب العمال بما يحمل؟ وستضحك سموكم لجوابه،
بأن هذا ليس بحرينياً، وكان صادقاً فغالبية أصحابه لم يتبين لي أنهم
بحرينيون، ثم نادى على الجمع للانصراف، من بعد قول بعضهم أنهم يحموننا
والقاطنين بالمجمع، من اعتداءات الطائفة الشيعية الكريمة، فرددت عليهم
بأننا في حال احتجنا الحماية، سنطلبها من الشرطة، وليس منهم، وحذرتهم من
الاقتراب مرة أخرى من مجمعنا، كل تفاصيل هذا الحدث جرت بحضور الشرطة، الذين
أبلغتهم بأني سأقدم بلاغي لدى مسئول أمن في شرطة المحرق وذكرت لهم اسمه
وعائلته، فتشجع أحدهم بشرح حقوق الإنسان للقائد، الذي لوى منصرفاً وجماعته.
وللحقيقة لم أجد في نهار اليوم نفسه ولا الأيام بعده، أولئك المسلحين في
البسيتين، إلا أن سبعة من عمالي، ارتعبوا من الحدث وطلبوا الرحيل إلى
بلادهم، واستجبت لهم من بعد عجزي عن طمأنتهم، فتسبب ذلك في جمود أعمالي إلى
اليوم.
من بعد أن أصغينا لكلمة سموكم، في فعالية حوار المنامة، في السابع من
ديسمبر/كانون الأول 2012، واطلعنا على ردود أفعال الجمعيات السياسية
المعارضة، وجدنا أن تلك الجمعيات تصرخ في وادٍ، وسموكم تهمسون في وادٍ آخر،
فلم أرَ في خطاب سموكم، ما يدعو الجمعيات إلى الاستجابة لأمر ذكرتموه في
سياق متناقضات حول الوضع، ألا وهو موضوع الحوار، إلا إذا كانت هناك ترتيبات
غائبة عنا وفي السر، فالحوار لا يجدي، في ظل تعليق وعدم إغلاق ملفات
أساسية مثل ملف الشهداء والجرحى من الجانبين، وتطبيق القانون على الجناة
الأفراد، وعلى من أصدر أمراً لهم بالإتيان بأفعالهم، سواء من الناس أو من
السلطات، فالأمن والعسكر، معروفي الهوية والرتب، والمعتدين على رجال الأمن،
أفراداً وليس الحراك الشعبي بكامله، فليس هناك من حرب طائفية سلكت العنف
وسيلة، وإلا وجدنا الدماء تسيل حتى الركب.
ونحمد الله أن سلّمنا من شرٍ مثله، فقد كانت المزاجلة الطائفية، ظاهرةً
صوتيةً لا أكثر، تم التعبير عنها بتحشيد الجموع لحظياً، على خلفيات نظرية
متعددة، سرعان ما تم تَبَيّنُها من قبل من تم تضليلهم. ولا ننسى ملف
إجراءات الفصل من الأعمال ومَن ورائه، توازياً مع معالجة ما جرّه من معاناة
للعاملين المفصولين وعوائلهم، والذي تم بناءً على تعليم وجوه في التلفزيون
الرسمي، لمن حضر التجمع الشعبي في الدوار، والأهم ملف المعتقلين والمحكوم
عليهم بتهم ذات صلة بالتعبير عن الرأي سلمياً، فليأتي لي أحد، بدليل
استخدامهم العنف والسلاح، اسماً اسماً للقيادات الرموز، أما تُهم التحريض
على قلب نظام الحكم، فهي لا تتعدى نصاً في قانون العقوبات، تم تكييف
الإجراءات ليتولى القاضي الحكم بنصوص القانون، وقد تم التراجع عن كثير من
درجات الأحكام، لاحقاً في درجات المحاكمات المختلفة، كانت تلك بعضاً من
ملفات عالقة، هناك حاجة لإغلاقها قبل الدعوة للحوار، ليتسنى للناس استعادة
الثقة في السلطات.
ولا تلومَنّ سموكم أناساً فقدوا الثقة في عدالة السلطات وفي تطبيقها
لإجراءات القوانين، وفقدوها في ثقافة رجال الأمن والعسكر، في التعامل مع
المحتجين، وفقدوها في عدالة بعض من أعضاء النيابة، وفقدوا الثقة والإقرار
باستقلالية القضاء، نتيجة ما عاينوه من تنكيل واستخدام مفرط للقوة،
واستخدام أسلحة لم تعد مجازة للتعامل مع محتجين من البشر، ومن دون أن تكون
هناك محاسبة جادة للمتورطين.
لسنا مع العنف من أي طرف، رسمياً كان أو شعبياً، فإنه لغةٌ وإجراءٌ
للهمج، لا صلة له ببشر يعيشون في القرن الحادي والعشرين، ولا نرى ما كان
منه، إلا مبادرة من بعض الطرف الرسمي، بعقلية ناقمة على التوافق على ميثاق
العمل الوطني. وبتقديرنا إن هذا الطرف هو المسئول أيضاً عن إيصال المجتمع
إلى الاحتقان ما بين السلطات والشعب، خلال العشر سنوات الماضية، من خلال
تجاوز نصوص ومبادئ الميثاق، ورأينا عنفاً كردة فعل من أفراد من الناس، تم
مس حياة ذويهم وعائلاتهم، وأمنهم وعَرضِهم وشرعية تناجيهم ومعتقداتهم، فلا
يوجد عنف منظم مُبادِر مستمر من الحراك الشعبي، وإن كان هناك بعض من
ظواهره، من قبل الطرفين، فإنه محدود لا يدعو للقلق من الجانب الشعبي، متى
ما تم إرساء العدالة الحقوقية والسياسية والأمنية في المجتمع، وتم تطبيق
سياسة عدم الإفلات من العقاب، وتم الإفساح للحق الأصيل للشعوب، الذي لا
يحتاج لإذن أو ترخيص من أي كان، في التعبير عن نفسها تجاه ممارسات السلطات،
من خلال التعبير السلمي الفردي والجماعي، وحق التجمعات والتظاهر، وقامت
الأجهزة الأمنية المختصة بحماية وخدمة المتظاهرين.
خلاصة القول، نجلكم وعفواً سموكم، أنتم من دعا في الأصل إلى حوار غير
مشروط، وأنتم من تمثلون السلطة والإرادة الملكية، فادعو الجهات المطلوبة
لحضور الحوار، من الجمعيات السياسية المعارضة والموالية، بممثليهم
السياسيين والحقوقيين والقانونيين والعماليين والمهنيين… إلخ، كل مجال
باثنين، وغرفة التجارة باثنين، تمثيلاً للشعب، وادعو الحكومة بكامل
وزرائها، واسترشد بالسلطة القضائية بحضور ممثلين اثنين لكل فرع منها، ولا
أنصح بالسلطة التشريعية، فنصفهم يمثلون برجوازية المجتمع وهم إما أعضاء في
غرفة التجارة، وإما منحدرون من انتمائهم الوظيفي للحكومة، ونصفهم لا يمثلون
إلا أنفسهم، فليس بينهم واحد حاز على ثقة طائفتَيْ المجتمع، ولا واحد حاز
ثقة غالبية المنتَخِبين البحرينيين، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم كأفراد
بوظائف تشريعية لا يمارسونها.
ادعوهم سموكم إلى المكان والزمان نفسه، واطلب من كل طرف، أن يقدم ما
يريد، وليس ما لا يريد، وأمام الحضور، اطلبوا سموكم ماذا يريد كل طرف لمن
يمثلهم، وليس ما يريده الآخرون، فليس فيهم واحد يمثل الشعب بكامله، بل كل
منهم يمثل جزءًا من الشعب، فمن امتنع بعصيان إرادتكم، له حساب، ومن تطاول
على غيره، له حساب، كل ذلك بتغطية تفصيلية لدقائق الحدث، تلفزيونية من قبل
التلفزيون الرسمي، والقنوات الفضائية العالمية، ليشهدها كامل الشعب
البحريني، والعالم أجمع، مع التأكيد على عدم تغطيتها صحافياً، فالصحافة
تنقل من بعد حين، وتنقل على لسان، ولن يكون نقلها غير المباشر محايداً،
مثله مثل النقل المباشر بالصوت والصورة.
وللصحافة، أن تحلل وتقابل المشتركين، من بعد إجراء هذا الجزء الأساسي من
الحوار، في ظل التزامها الكتابي بتوجيه سموكم، أن تكون صفحاتها متاحة لكل
مشترك في الحوار أن يبين حقيقة رأيه وموقفه، لأي تحوير محتمل، وكفى. لا
جدال بعد ذلك، استعداداً للجولات الأخرى لتقريب وجهات النظر، حول المختلف
عليه، من بعد حصر المطالب المشتركة وتوثيقها، وتحديد تلك غير المشتركة،
والتي سيجيب فيها، كل طرف بمدى استعداده ووعده الصدوق، بعمل ما يلزم لما
يقبله منها، تحقيقاً لمطالب الآخر، وتوثق أيضاً، لتبقى نقاط الخلاف،
ليتحاور حولها الأطراف، الى أمد من دون ربطها أو خلطها بما تم توثيقه من
مشتركات ومقبولات. لترى بعد هذا الأمد، فيها الإرادة الملكية، باستشارة
القضاء، ما تراه، تحقيقاً للألفة والتواصل وتبادل الثقة، ولينطلق الوطن إلى
رحابة التعايش والتكامل والعدالة وسيادة القانون.
الرسالة الثانية: هل أنتم منا ومثلنا؟
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين إلى السلطات، بل
أفرادٌ ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة، بحث أحدنا في عقله
ووجدانه؛ فلم يجد غير المواطن والإنسان. نتقاطع مع هذا أو ذاك، قد نختلف
ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي، وفي المقابل، الإثباتات
الرسمية، عبر التلفزيون والصحافة، في الذود عن الموقف الرسمي، ولكن بخطاب
وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية. فيا أصحاب السمو
والسعادة أعضاء الحكومة، أطال الله عمركم مئات المرات، لكن الوطن يزخر
بالكفاءات التي ساهمتم بنية أو بصدفة، في إعدادهم، اعتقدنا أنكم تُعدّون
الأجيال، لتسلم القيادة وإدارة الوطن، نتيجة تطور الإدارة وحداثتها،
واحتياجها إلى الأدوات الحديثة الدائمة التطور والتغير، ومن أهمها أدوات
التواصل الشعبي الشامل، من دون تمييز، لتستمعوا القول فتتبعوا أحسنه.
ووسائل
التواصل الشعبي، في عصرنا، أصبحت قاب قوسين أو أدنى، من حيث تعملون
وترفهون وتنامون، بارتباطها بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي وفّرتها
خدمات شبكة الإنترنت، والهواتف النقالة المتطورة لتبادل الكتابة والصوت
والصورة، عوضاً عن التواصل الجسدي اليسير الذي توفره وسائل المواصلات
وبنيتها التحتية، فما بال سعادتكم، تختارون من الناس قلةً تمجّدكم، وتنتظر
منكم المنَّ والسلوى، في حين غالبية شعبكم يعيش العوز والضر، ليس في
المُلكِ والجاهِ، بل في إنسانيته التي تم سلبها في هذا الواقع السياسي.
ألا
تعرفون الفرق بين هؤلاء وأولئك، ألا تعرفون السبيل إلى معيار العدالة في
الضعفاء من شعبكم، فنبي الله (ص)، خالط صغار قومه، وسمع لهم، وهم من قدّم
التضحيات بالاستشهاد والتعرض لتسلط قريش بالتعذيب، فلم يكن يفرق بين عبدٍ
أو حر، ولا بين وضيعٍ أو شريف في قومه، إلا بمعيار موضوع دعوته، فكانوا
نصرته الذين أقام الله دعوته بهم على العالمين، وخلفاؤه الأربعة من بعده،
وأحبهم إليكم عمر (ر)، القائل لشريف قومٍ نصرةً لوضيعهم: «متى استعبدتم
الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، والسامع لشكوى عبد مملوك ضد سيده
ومالكه، ذاك العبد الذي ظنّ سوءًا في عمر (ر)، وقال: «وسع عدل عمر الناس
جميعاً إلا إياي»، وطعن عمر (ر) في صلاته.
ألا تتعظون، فقصة عمر (ر)
وقاتله، قصة شفافية، يريد الناس رؤية وتلمس ما تُوعدون، لا نثر الوعود نثر
الحَبِّ للطير، يلتقط بعضه ويلهو حيناً ليجد أنه جوعان من جديد، فإدارة
الدولة لا تُمَلِّك المسئولين إياها، وأشخاصكم تديرون ثرواتٍ لا تملكونها
لقاء أجر معلوم، عبر تفويض وقبول بكم من الشعب، المالك الأصلي للثروات،
الذي ينشد فيكم الإدارة الرشيدة التي توزع الثروة بالعدالة والمساواة، فيما
بين أفراده، من دون أدنى تمييز، لا لجاهٍ ولا دينٍ ولا مذهب، ولا أصلٍ ولا
جنس، فمتى ما غابت هذه العدالة، ينزع تفويضكم ويوكِلَه إلى آخرين، منه
واليه، وما عليكم إلا العودة إلى قواعدكم أفراداً من الشعب، تخضعون لعدالة
حكومة أصلها أفراد هذا الشعب.
والشعب هو من منحكم حق إنشاء الأجهزة
والعمل في الإدارات، التي هي أصلاً وزارات وإدارات لخدمة ناس الوطن، في
أمنهم الشخصي وأمنهم الوطني، واقتصادهم وسكناهم ووسائل عيشهم، وعلاقاتهم
المتكاملة القائمة على العدالة والمساواة فيما بينهم، لا لتستقْوُوا عليه،
عبر شراء الذمم بسوء استخدام ثرواته والاستفراد بها، وعبر استجلاب الغرباء
وجعلهم شركاء له في ثرواته وسلطاته.
والشعب هو أصل التشريعات
والقوانين ومصدرها، وإن منح الثقة، لنفرٍ من مكوناته، استجابةً لمرحلةٍ
تاريخيةٍ اجتماعيةٍ وسياسية، إلا أنها لا تبخسه، إنه أصل التطور الذي يغير
الحاجات، وهو الأصل المادي لاستحقاقات هذه التغيرات، التي تربو إلى تغيير
سلطاته، وإدارات مجتمعه، وتطوير وإصلاح أو إبدال نظامه السياسي، فلا
تَعْتدّوا بقوةٍ، تُضير الشعب، فالزمان قد يتخطى فكرة القوة، ولا تنسى
الحكومات أنها ليست إلا أفراداً من الشعب، ولن تُقَوِّيها ثلة من مستفيدين
تمييزاً، حتى وإن فعلوا فإنه إلى حين، فالتمييز وتشطير المجتمعات لا يدوم
مثل دوام العدالة والمساواة، فانظروا نتاج الأداء السابق، وما تم عمله في
السر الذي كشفه المستشار، في التفريق والتمييز، والاستعانة بقوى شرهة
للعطايا. انظروا إلى صحوة المظلومين من الشعب، في تظاهرات 14 فبراير/ شباط
2011، ودعمهم من قبل المعارضين للتمييز سواءً لهم أو عليهم، لتصل الأوضاع
بكم إلى مرحلة أساسية من مراحل العزلة الشعبية، ولم يفد الموالون ولا
الغرباء، في كسر إرادة شعب عزيز كريم منتمٍ إلى وطنه.
فما عاد
مقبولاً وطنيّاً ولا دوليّاً، أن تسمعوا بـ «وثيقة اللاعنف» و»وثيقة
المنامة»، لكنها لا تهمكم، وليس مقبولاً استمرار تجاوزات رجال الأمن من دون
محاسبة، وليس مقبولاً تجاوز الدستور في المادة 30 البند ب «الدولة هي
وحدها التي تنشئ قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يولّى غير
المواطنين هذه المهام إلا في حالة الضرورة، وبالكيفية التي ينظمها
القانون». وليس مقبولاً توطين غير المواطنين، استحقاقاً لتجاوز الدستور.
وليس مقبولاً تداخل السلطات في مهامها، فالسلطة القضائية، في فرعها اللازم،
النيابة العامة، هي المعنية بتوجيه التهم والادعاء على مرتكبيها، وليست
الحكومة، في مثل تهم الأطباء وحراك الدوار الشعبي، بأنهم حازوا من السلاح
قديمه، في إشارة إلى الاتهام بتبييت النية الطائفية، منذ القدم للانقلاب
العنيف على النظام، لتأتي المحاكم وتهملها. وليس مقبولاً الخروج على نص
المادة 48 البند ب الدستورية، «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن
يتولى أية وظيفة عامة أخرى…»، ولا توزير غير مؤهل للاختصاص، ولا المحاصصة
الطائفية في التوزير والتوظيف، والفصل من الأعمال، ولا إعلام غير وطني
محايد ليخدم جميع مكوّنات المجتمع، ولو أسهبنا أكثر لما استوعبت صفحات
الصحيفة جزءًا يسيراً منها.
وقد كان حراك 14 فبراير 2011، تتويجاً
للحراك التاريخي السياسي الطويل، منذ العشرينات من القرن الماضي، والذي قاد
في التسعينات إلى التوافق على ميثاق العمل الوطني، الذي جاء لإعادة
المواطنين من منفاهم داخل وخارج الوطن، ولإيقاف إضعاف المجتمع بخلخلته
بالأغراب، ومن خلال السياسات الإسكانية، ولإيقاف تدخلات الحكومة في شئون
مؤسسات المجتمع المدني والتفريق بينها بالتمييز، وهي الرافد للإصلاح
والتطور، ولإيقاف الاستخفاف بتطور عقول وتجارب الشعب في مطالباته، ولإيقاف
التصادم وإياه في مطالباته، وهو سيد ومصدر السلطات جميعها كما نص الدستور،
فما عادت العقلية الأمنية المفرطة القوة، بالتسبب في زيادة شدة الضرر
واتساعه، ليشمل الجموع العريضة، في القتل والقمع والاعتقالات وقطع الأرزاق،
ولا الاستعانة بدول خارجية، تخشى أن يمتد الحراك الشعبي البحريني إلى
شعوبها، للروع من الحشود الشعبية غير المسبوقة، فقد كان الأولى احترام
الشعب، عبر تواصله في مطالباته، بانتخاب سلطاته التشريعية والتنفيذية، في
مملكة دستورية حقة، ترينا أجمل الأيام التي لم نرها قبلاً، في تكامل
السلطات بشعبها، وبمحاسبته إياها وإبدالها كل ما بدت أنها تحيد عن خدمة
الشعب، وفي وطن يجمع أهله، لا شأن له بدينهم ومعتقداتهم ومذهبهم، وليصفو
كامل ترابه وسمائه بكل ما حوت من ثروات حقّاً متساوياً للجميع، والأغراب
إما ضيوف يحترمون مقومات وثقافة واجتماع وعادات المكونات الشعبية، ويؤدون
خدمات يحتاج إليها المجتمع وبقراره، وإما أوطانهم أولى بهم.
خلاصة
القول، إن الشعب لم يعد كما تريدونه أعمى، ترون نيابةً عنه ما لا يراه، بل
أصبح هو صاحب الحق في الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي على رغم العنف
المقابل، ما يجعله أهلاً لدعم مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والأممية،
وبخلاصة تجاربه في صراعاته، التي ما خلصتم يوماً فيها إلى حقه في إدارة
شئونه، فيا أصحاب السمو والسعادة، عودوا لقواعدكم أفراداً من الشعب، عله
ينتخبكم في حقّه في اختيار جميع سلطاته.
الرسالة الثالثة: مَن تمثلون؟ وعن حقوق مَن تدافعون؟
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إنما ممن
بحث في عقله ووجدانه عن طائفته، فلم يجد غير المواطن والإنسان. قد نختلف
ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي والإثباتات الرسمية، عبر
التلفزيون والصحافة الرسميين، الذين يتبرعون بالذود عن الموقف الرسمي،
ولكن بخطاب وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية، فيا
أصحاب السعادة النواب والشوريون، حسبناكم، تُمَثلون وتنطقون بلسان حال شعب
البحرين، أياً كان دينه ومذهبه، وأياً كان عنوان سكنه وإقامته، داخل الوطن
أو خارجه، وحسبناكم أهل عقل راجح، تَزِنون الأمور بميزان العدالة
والمساواة، ولا تأخذكم في الحق لومة لائم، شجعاناً لا يرديكم الردى من
المظالم، تحت أيديكم رقابنا نحن الشعب واستأمنّاكم عليها، وحسبناكم صولجان
الحق على باقي السلطات، به تقومونها، ليرتع الشعب في أنهر الخير من الأمان
على حاضره ومستقبله.
وحسبناكم حراس مستقبل أجيال الوطن، في عدالة
توزيع الثروات، وحفظ الهوية الوطنية، لأبناء الوطن، تُشَرِّعون لذلك
القوانين، التي تحفظ الحقوق وتيسر الواجبات، من خلال تطبيقها من قبل السلطة
القضائية، تطبيقاً لا يفرق بين مواطن وآخر، وتُحَيِّدون السلطة التنفيذية
بوزرائها وإداراتها، في توفير الخدمات للناس سواسية، عبر مراجعة دراسات
وتطبيقات مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، لتتبيّنوا
مدى إحقاقها وعدم تجنيها على العدالة الاجتماعية، لا تمييز فيها بين
المواطنين، لا طبقاً لدين ولا مذهب ولا أصل ولا جنس، كما هو نص الدستور،
ومحاسبتها المحاسبة العسيرة على أي شطط ولو بسيط، عن ذا الميزان. وطمعنا
فيكم ترون حقوقكم في بطن حقوقنا.
إلا أن للأسف أن غالبكم في ذا
المجلس وبعضكم في ذاك، اهتم بقشور الحقوق العامة وأهمل متنها، في تنافسٍ مع
الحكومة، مصدره ومقصده أشخاصكم، بالصيت الشعبي المزيف. فمشروع ميزانية
الدولة التي تتوازن فيها الإيرادات مع توزيع المصروفات التي لها مسالك
الخدمات العامة العائدة على تسهيل حياة الناس المعيشية، وهي العامة على
جموع الشعب، نراكم تمررونها بقانون، لقاء فتات هنا أو هناك، لا يحل مشكلة
الإسكان، ولا مشكلة البطالة ولا مشكلة التمييز على حساب العدالة
الاجتماعية. فينبري أحدكم للقاء وزير ليستحثه على زيادة الخدمات لمنطقة
بعينها، لا لانفرادها في نقص تلك الخدمة، من دون مناطق البحرين الأخرى، بل
لأنكم أبناء تلك المنطقة، وهي تحتضن أصواتكم الانتخابية، فاختزلتم مواطني
وشعب البحرين الذين تزعمون تمثيلهم، في أفراد تسترضونهم، للحفاظ على
كراسيكم، وليس شرطكم لتمرير (ولفظة التمرير التي تصفون بها إجراءاتكم لها
سوأة)، لتمرير الميزانية، بشرط زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي للأسر
المحتاجة، عبر توافق لفظي أو حتى كتابي، مع الحكومة، ليس عن طريق قانون
تسنّونه، وبمبالغ حتى في حال تحققها، لا تسمن ولا تشبع من جوع، وطلباتكم
زيادة رواتب موظفي الحكومة وتقاعدهم، فدافعها اشتراككم في نفعها، وعلى رغم
علمكم اليقيني أن جزءاً لا يستهان به منها، سيعم الغرباء خارج القانون،
لخضوعكم وإياهم في مزاياكم الوظيفية لكادر موظفي الحكومة، وإلا كان أجدى
بكم، ربما سن قانون إنشاء صندوق تموّله الدولة، لرفع رواتب جميع المواطنين،
من موظفي الحكومة والعاملين في القطاع الخاص، ففي ذلك تحقيق للعدالة
الاجتماعية، فيا أسفي أن كل ما جهدتم فيه، لا يتعدى تمسح بالذقون، في تمييز
واضح بين المواطنين.
وبلغتكم أيها المشرعون للقوانين، والمراقبون
والمحاسبون للسلطة التنفيذية – الحكومة، أين تشريعاتكم الحافظة لهوية
المجتمع، التي يتضرر منها جميع مكونات الشعب البحريني في انتزاع حق السكن
والرعاية الصحية والتعليم وباقي الخدمات، عبر إنقاصها على المواطنين لقاء
تخصيص أولوياتها وخصوصاً السكن والعمل، للغرباء خارج القانون. نلوم الحكومة
في ذلك، ونلومكم أكثر، فإنها تعمل لصالحها الفئوي، وأنتم تدّعون تمثيل
الشعب في حقوقه، وأنتم من تعلمون أكثر، ففي حوزتكم الوثائق والإحصائيات،
متى ما طلبتموها.
وأذكّركم بأن الدستور في المادة 30 البند ب، أوجب
أن يتولى المواطنون حفظ الأمن العام، إلا في الضرورة القصوى، لا أحتاج
للشرح لكم تطبيق الضرورة القصوى، التي نرى نقيضها في شوارع البحرين. حيث
نرى غربتها، ونرى استثناء أفراد أكبر الطوائف البحرينية، من توليها، في
تدمير للهوية الوطنية، وفي سلب ثروات الوطن في استتباعاتها، فأين بيت الشعب
الذي تشغلونه، وأين تمثيلكم لمصالح الوطن والمواطنين.
وأيضاً بلغتكم
أيها المشرعون للعدالة، تميّزون أشخاصكم، وعددكم ثمانون إضافةً لأعضاء
المجالس البلدية، لقاء تعداد باقي المواطنين، في أهم الحقوق المعيشية، ألا
وهي مكافآت ومعاشات التقاعد، فتقننون لأنفسكم معاشاًً تقاعدياً، حسب المادة
السابعة من القانون، التي اختصت باستحقاق أعضاء المجالس الثلاثة، ممن يقضي
في المجلس أربع سنوات، استحقاقه ما يعادل 25 سنة عمل لباقي المواطنين،
بمنحه ما يعادل عمل 21 سنة اعتبارية (إضافية ولم يعملها)، فيترتب له معاش
تقاعدي بواقع 50 في المئة من مكافأته الشهرية، ثم يضاف إليها نسبة 7.5 في
المئة عن كل سنة يقضيها في المجلس، وبحد أقصى أربع سنوات أخرى، ليصل إلى 80
في المئة من مكافأته الشهرية، عند السنة الثامنة، إضافةً إلى ما له من
معاش تقاعد عن خدمة في غير عضوية المجلس (قبل وبعد العضوية)، ليصل المعاش
التقاعدي إلى 4000 دينار بحد أقصى شهرياً، كل ذلك لقاء عمل فعلي لا يتجاوز
الثماني سنوات، في تشجيع لما يحدث مما نرفضه وإياكم، لتداول هذا التمييز
الظالم كل ثماني سنوات. ونعلم وتعلمون أن هذه المكافأة، لا تدخل في المزايا
الوظيفية المباشرة من راتب وعلاوات، من علاوات مثل الغلاء والمواصلات
والاتصالات ومصاريف إنشاء مكتب نيابي شخصي لكل منكم، إضافةً لمكاتبكم في
مبنى المجلس الوطني، على نقيض ضرورة تواصلكم بالمواطنين في أماكن تجمعهم،
من مجالس وأندية ومقار مؤسسات مجتمع مدني.
وبالمناسبة، جمعتني الصدف
بقاضٍ كبير، فسألته عن دستورية قانون تقاعدكم، فأفادني بعدم دستوريته، رغم
أنكم معنيون بمراجعة القوانين في مواكبتها للدستور، فقد جرت العادة
القانونية والدستورية، حين صدور قانون أو تعديل على القانون، ينبري
المعنيون بتطبيقه من وزراء وهيئات، بإصدار القرارات المواكبة لتلك القوانين
وتعديلاتها، والجريدة الرسمية الخاصة بهيئة الإفتاء والتشريع، زاخرة في
معظمها بتلك القرارات التفصيلية، وكذلك حين صدور دستور جديد، أو تعديلات
على نصوص دستور قائم، يتوجب عليكم مراجعة القوانين لتتماشى مع النصوص
الدستورية. فأينكم من مراجعة قانون تقاعدكم، وقد سمعتم منا ومن غيرنا شبهة
عدم دستوريته، أم أن على رأسكم ريشة.
خلاصة القول أن الأيدي والأصابع
تَكِلْ، والحبر يستنزف حبره، والعقل يجهد، في تعداد هذه المثالب
والأخطاء، ولكننا صبورون من باب «ما ضاقت حلقاتها إلا فرجت، وكان الظن أنها
لا تفرج»، ومن باب «أن للحق مُطالِب لن يضيعه، لا زمانٌ ولا مكان»، وكونوا
ممثلين للشعب، من خلال إجماعه عليكم في طوائفه، وغالبية كتلته الانتخابية
على مستوى الوطن، لا منطقة من مناطقه.
الرسالة الرابعة: ديمقراطية النَص ودكتاتورية الممارسة والتطبيق
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إنّنا أفراد
ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة، قد نتقاطع مع هذا أو ذاك، وقد
نختلف ونتضاد، نسمع من قيادات الحراك الشعبي، ومن الموقف الرسمي، واليوم
نتكلم عن ديمقراطية النص ودكتاتورية التطبيق.
معذورة السلطة
القضائية… فقضاة المحاكم المدنية في جميع درجاتها، يحكمون بنصوص
القوانين، ولا شأن لهم بعملية التشريع، المنوطة بالسلطة التشريعية، ولكنهم
ملامون، حين يخضعون للضغوط السياسية، وحين يسترشدون بالقرارات الوزارية في
أحكامهم، فالقرارات ليست قوانين، بقدر ما هي أدوات إجرائية لإيضاح القوانين
لسلطات الإجراء وللعامة، وليس للقضاة، فمتى تعارضت هذه القرارات مع قصد
المشرع للقانون، الأمر الذي يعيه القاضي، فلا يصح الأخذ بالقرارات في إصدار
الأحكام، فالقانون، والقانون فقط، هو وسيلة القاضي، ومقصده النزاهة
والاستقلالية، فإن حاد عن أي منهما، أغضب الناس عليه.
والدستور هو
أبو القوانين، له حقٌ واجبٌ أن يُساهم في بناء صرحه، جميع المواطنين، بجميع
مواقعهم، في سلطات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني بما فيهم الجمعيات السياسية،
والتجمعات والتخصصات المهنية والأفراد، فلا تستفرد بصياغته وإصداره جهة،
مهما علا شأنها، فهو أرفع التشريعات التي يتوجب توافق الجميع على دقائق
وتفصيلات نصوصه، والتي بدورها تسمو على باقي التشريعات، من القوانين
والمراسيم، بل إنها الحاكمة على نص أي قانون أو إجراء، فغير مباح في أي حال
من الأحوال، الخروج على نص الدستور، ولذلك لا يستمد الدستور شرعيته، إلا
بتوافق غالبية الشعب عليه من خلال الاستفتاء بنعم أو لا، ولا يجوز في ذلك
التكليف.
هذا ما جرت عليه عادة السلطات في كل أصقاع الأرض، إلا أن لي
رأياً لن أبخسكم إبداءه، خلاصته أن الدستور يستوجب موافقة غالبية لا تقل
عن الستين أو ربما السبعين في المئة من الشعب، فنسبة الواحد والخمسين أو
غالبية مَن صَوّت بفارق صوت، قد تجوز لقانون ولكن ليس الدستور، والاستفتاء
العجول كذلك يبخس الدستور الشرعية الكاملة، فإن ورد فيه سلبُ حقٍ واحدٍ
لقاء الحقوق الأخرى، فهل يجوز إقراره بعلته هذه؟ أو هل يجوز رفضه بسببها؟
فالأولى بالقائمين على الأمر من المفوضين من قبل الشعب، أن يطرحوا مسودة نص
الدستور للتداول الشعبي إلى أمدٍ معلوم، يزيد بشهرين أو ثلاثة، عن الفترة
التي لزمت للانتهاء من صياغة الدستور، وربما مبدأ جواز إبكارها إذا ما توقف
أفراد الشعب عن إبداء الرأي في مواده لمدة معلومة قرابة خمسة عشر أو عشرين
يوماً متصلة، التي تكون كافية لمن ارتأى ضرورة الرأي أن يدرس ويصيغ ويقدّم
رأيه للقائمين على الأمر، ثم يُحَدَد أمدٌ معلوم لتداول الآراء ما بين
مُقدِّمها والقائمين على الأمر، هذه المداولات تُنشر على أوسع نطاق وفي
جميع وسائل النشر، وخاصة النقل المباشر عبر القنوات الفضائية، ويُفسح
المجال لتبيان صاحب الرأي تكرار رأيه متى ما تداوله أي نشر صحافي بغير
منطوقه، ولمرة واحدة وكفى، لا تداول بعده، لترى جموع الشعب رأيها بعقولها
وتحدد موقفها بحسب متطلبات الاستفتاء.
وأرى ضرورة استفتاء الشعب على
مواد الدستور، مادةً مادةً، بالتأشير أمام غير المقبول منها بـ لا، وما لم
يؤشر أمامها بها، تكون من المواد المقبولة، لينتهي إعلان نص الدستور بما تم
التوافق على مواده بالنسبة المذكورة عاليه، مع التبيان في الإعلان إحصائية
عدد المصوتين بـ لا لكل مادة على حدة، من باب الشفافية، ليُعاوَد استكمال
باقي مواده كإضافة وتعديل، وبالآلية نفسها.
أما أعضاء الشورى والنواب
فلا شأن لهم بالتعديلات الدستورية، فهم مشرعون للقوانين وليس الدستور،
الذي أتى بهم نتيجة مواده المتوافق عليها، فلا يجوز استلاب الحق الشعبي
العام وإناطته بأعضاء مجلس خاص.
ونَص مواد الدستور يتوجب ألا تحتمل
إلا مفهوماً واحداً، يواكب معطيات العصر ومستقبلها المتوقع لعقدٍ من الزمن
على أقل تقدير، فلا يتغير الدستور إلا إذا انتقل المجتمع إلى رحاب عصرٍ
جديدٍ جراء التفاعل أو التعارض بين الشعب والسلطات، أو انتقلت الإنسانية
إلى عصر جديد في مقوماته، ولكن، يمكن تعديل بعض مواده استجابةً لمتطلبات
عصرية أو شعبية جديدة. ولذلك نرى لزاماً علينا الإبحار سوياً في مواد
مختارة من دستور 2002، لتبيان نواقصها وتناقض بعض القوانين أو إجراءات
إنفاذها مع مواد الدستور، وذلك من باب التدليل على أن الدستور، لا يكتسب
الكمال المشروع، ما لم يشترك فيه جميع الشعب بالتمحيص والقبول.
«العدل أساس الحكم»، إذاً كيف تُوقِف السلطات متهماً بالتظاهر ولا توقف متهماً بالتعذيب.
«الحرية
والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم… وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات
للمجتمع تكفلها الدولة»، أترك كل المفردات للقارئ الكريم، إلا الدولة التي
هي السلطات وأولها الحكومة، فهل كفلت الدولة أياً مما أورده الدستور؟
«تصون وتكفل الدولة الخدمات التعليمية… ويكون التعليم إلزامياً ومجانياً
في المراحل الأولى التي يعينها القانون»، أليس تعليم الأطفال ما بين
الثالثة والسادسة من العمر، في الروضات، هي أولى مراحل التعليم؟ أم أنها
إسرافٌ يتبعه محدودو الدخل من الشعب؟ «تكفل الدولة لدور العلم حرمتها»،
المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات، كلها دور علم، بطلابها
وأساتذتها، وتم التعدي على حرمة بعضها من قبل أجهزة الأمن.
«تعمل
الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين»، كلكم يعلم مشكلة
الإسكان، ويعلم عمل الدولة لتوفيره لغريب أو لمواطن جديد بالأسبقية على
المواطنين.
«تعمل الدولة على رفع مستوى الفلاح، ويحدد القانون وسائل
مساعدة صغار المزارعين وتمليكهم الأراضي»، ائتوني بمزارعٍ صغيرٍ واحدٍ تم
تمليكه أرضاً زراعية بمسوّغات القانون.
«الثروات الطبيعية… ملك
للدولة تقوم على حفظها وحسن استثمارها…»، لا خلاف أن الأراضي المترامية
الأطراف هي من الثروات الطبيعية، ولكن مَن الدولة؟ الشعب وسلطاته، أم أنها
الحكومة بأفرادها الذين تملك بعضهم هذه الأراضي؟ «تكفل الدولة توفير فرص
العمل للمواطنين وعدالة شروطه»، رأيناه جلياً في الفصل الجماعي من الأعمال،
عقاباً على غياب أيامٍ خلال أسبوع، جراء الإضراب عن العمل، وبادعاء حكومي
أنه أضرّ بالاقتصاد الوطني، وتناست أن العطلة الأسبوعية يومين، وأحياناً
تمتد لعدة أيام للتعويض.
«المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة
وفقاً للشروط التي يقررها القانون»، نعم فالقانون ساوى بين المواطنين في
العمل في مختلف الوظائف، ولكن توظيف الأجانب الذين شغلوا الشواغر في أماكن
محددة ومعروفة، أعاق توظيف أبناء طائفة بأكملها.
«الجنسية البحرينية
يحدّدها القانون، ولا يجوز إسقاطها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال
الأخرى التي يحدّدها القانون»، الخيانة العظمى، هي التعاون العسكري المسلح
أو التخابر ضد الوطن، أو الانخراط في جيش دولة عدوة، نفهم هنا إسقاط
الجنسية عن المتلبس بها، ولكن فتح المجال للقانون لتعداد أحوال أخرى لا
يجوز، لأن أية جريمة أقل منها يخضع مرتكبها للعقوبة داخل الوطن، وليس منها
إسقاط الجنسية، وأقصاها الإعدام الذي لم يمنعه الدستور.
وللمقال بقية، نجول فيها على بقية أهم مواد الدستور التي تجاوزتها بعض القوانين، أو تلك التي تجاوزتها الإجراءات خارج القانون.
الرسالة الخامسة: ديمقراطية النَّص الدستوري ودكتاتورية القوانين والممارسة
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض تسميتنا بـ «الأغلبية الصامتة». وبما أن «الحرية الشخصية
مكفولة وفقاً للقانون»، فإن من الغريب أن تُوكَل الحريات الشخصية لقانون،
حيث أن مبدئيتها نص دستوري، والدستور هو المعني بقيدها، ربما ضد التجاوز
بمسّ بالآخرين في معتقداتهم وشرفهم والخروج على الأخلاق، ومن ثم الإيكال
للقانون رسم مظاهر هذه التجاوزات وعقوباتها.
«لا يجوز القبض على
إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه… إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من
القضاء»، «لا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن المخصصة لذلك… والخاضعة
لرقابة القضاء». نعم برقابة من القضاء، وليس الاقتصار على الأمر القضائي،
وهذا يستوجب حضوراً مادياً لطرف قضائي هذه الوقائع، وهذه الأماكن، فهل تم
ذلك فعلاً في أيٍّ من هذه الإجراءات وهذه الأماكن، وهل يجوز للقضاة
المراقبة وهم في بيوتهم أو محاكمهم؟ «لا يُعَرّض أي إنسان للتعذيب المادي
أو المعنوي، أو للإغراء، أو المعاملة الحاطّة بالكرامة، ويحدّد القانون
عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت تلك… أو
التهديد بأي منها». نَص مادة دستورية كاملة نموذجية، حدّد النَص الدستوري،
الفعل غير الدستوري بما ليس فيه لبسٌ، وأحال للقانون، رسم تشريع العقوبة
فقط، لذلك لزم سن قانون خاص لمناهضة ما أورده نص الدستور، وتغليظ العقوبة
استحقاقاً للكرامة الإنسانية، إلى أقصاها، ودون أي استثناء.
«العقوبة
شخصية، يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً»، «حرية الضمير مطلقة
(مطلقة ولا حدود لها)، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر
الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد».
نصوصٌ دستوريةٌ محدّدة، لكنها لم تُحِل مخالفتها إلى أي قانون أو إجراء،
لذا فعقوبتها عقوبة مخالفة الدستور، وهي أقرب لأوجه الخيانة العظمى، فهل
رأينا الجزاء المنصف، ضد من مارسها وأمر بها من رجال الأمن ومن الطائفيين.
«حرية
الرأي والبحث العلمي مكفولة…، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها
القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير
الفرقة أو الطائفية». هي مشروطةٌ هنا لعدم تجاوزها من الأفراد والسلطات
والقوانين، ومن تجاوزها محكوم عليه بعقاب تجاوز الدستور، فهل تمت محاسبة
المتجاوزين الكثيرين؟ «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن
أهلها إلا استثناءً في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون،
وبالكيفية المنصوص عليها فيه». ضَمن الدستور هنا حرمة المساكن، ولم يسمح
بدخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها، إلا في حالة الضرورة القصوى، مشروطةً
بشرطي الضرورة والقصوى، وأوجب الدستور صدور قانون خاص يبيّن هاتين
الحالتين، وكيفية وإجراءات الولوج إلى المساكن من دون رضا أهلها، وما إذا
يتم ذلك عبر طرق الأبواب أولاً، أو كسرها عنوةً ومباغتة أهلها، وأوقات
المداهمات، إن كانت ساعات النوم أو الصحوة، وضرورة مراعاة حالات الخلوة
الخاصة لأهلها، وكيفية التعامل مع المطلوب القبض عليه، وكذلك الآخرين
المتواجدين في المسكن، ضيوفاً كانوا أو قاطنين، ووو… فهل يعلمني أحدٌ
بوجود مثل هذا القانون الخاص؟ «حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس
وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي
يبينها القانون، بشرط عدم المساس بالدين والنظام العام…». المعني هنا
مؤسسات المجتمع المدني، في رفدها لأجهزة الدولة، بتبيان ومعالجة وتثقيف
العامة، بحقوقهم وواجباتهم، تجاه كل ما يتبدى من السلطات والمجتمع من
إيجابيات وسلبيات، والتواصل فيما بينها ومع الجهات المختصة المحلية
والإقليمية والدولية، لاستقاء الخبرة والمساندة، ولم يشترط الدستور إلا عدم
المساس بالدين والنظام العام، الذي صاغه الدستور في مجمل مواده الأخرى من
حرية المعتقد وحرمة المساكن، وحرية الضمير والرأي… الخ، فما بال السلطات
تحارب من اختلف معها وعرّى نواقصها، بالإهمال والمضايقات، مقابل المساندة
المادية والمعنوية، لمن والاها من هذه المؤسسات.
«للأفراد حق
الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذنٍ أو إخطارٍ سابق، ولا يجوز لأحد من قوات
الأمن العام حضور اجتماعاتهم»، «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات
مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون، على أن تكون أغراض
الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة». حقّ الاجتماع الخاص، لم
يحدّد الدستور صفته بعدد حاضريه، فكل من ارتضاه الداعون إليه، هم حضوره،
ومكانه ملكاً أو حيازة خاصة للمكان من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتباريين،
ومَنْع الدستور حضور هذه الاجتماعات على قوات الأمن العام، أساسه صفتهم
ومهامهم الرسمية وليست الشخصية، أما الاجتماعات العامة فتمتاز عن الخاصة
بضخامة العدد وإشغال المساحات الأكبر، وربما العامة، فأباحها الدستور وفقاً
لقانون، واشترط وصفها بأن تكون أغراضها ووسائلها سلميةً ولا تنافي الآداب
العامة، فليس للقانون أن يمنعها مسبقاً، إلا في حالة تصريح القائمين عليها
بأن أغراضها ووسائلها غير سلمية، وليس للقانون أن يفضّها، إلا إذا بادرت
بالعنف في الغرض والوسيلة، وهذا لا يشمل حالات اعتداءات عليها من قبل أي
جهة كانت، رسمية أو إجرامية، فإنها بذلك تستحيل إلى حالة اعتداء آخرين على
المجتمعين، الأمر الذي يوجب على قوات الأمن العام، حماية المجتمعين من هكذا
اعتداءات، ولم يوكل الدستور للقانون إباحة حضور قوات الأمن العام، إلا بما
نص عليه في تجاوز سلمية الأغراض والوسائل، من مثل المبادرة بحمل السلاح
مجاهرةً في بياضه أو سواده، مثل ما حصل من بعض الموتورين في بعض المناطق
قبيل قانون السلامة الوطنية، وليس للقانون أن يمنع حضور أجهزة الأمن
المختصة بتيسير حركة المرور مثلاً، وهذه الأجهزة ليس لها حمل السلاح.
«الدولة
هي وحدها التي تنشئ قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يُولى غير
المواطنين هذه المهام إلا في حالة الضرورة القصوى…». الضرورة القصوى هنا
هي استتباب الأمن الشعبي والوطني لا غير، وأترك للقارئ الكريم التعليق
هنا.
«لا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق والحرية»… وهذه المادة من أكمل مواد الدستور، ولم تَسلم.
«لا
يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى وظيفة عامة أخرى، أو أن
يزاول… عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً…». أفتوني سيادتكم في حالات
الجمع بين الوزارات، وفي وضعية الاستثمار في الأراضي والعقار.
«لا
يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام
العرفية…». وحالة السلامة الوطنية ليست منها، فكيف تُوصف التصرفات
اليومية لأجهزة الأمن في مدن وقرى الوطن، وحالات الموت في المعتقلات تحت
التعذيب، بغير الخروج على الدستور.
هذه بعضٌ من مليون وحالة من حالات الخروج على الدستور، آملين أن تهل علينا السنة الميلادية الجديدة ونحن بحال أفضل.
الرسالة السادسة: الأقوال مضافة إلى الأفعال
نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة. نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية
التعبير، ونحترم العقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، فلا
نسب ولا نشتم، ولا نتطاول ولا نتنابز بالألقاب، ديدننا العدل والمساواة.
نسمع
كثيراً من التصريحات الرسمية المتباعدة المواقف، على لسان الوزراء
المختلفين، ما يوحي أن هناك رؤى رسمية متناقضة، الأمر الذي يقودنا إلى الظن
بتفكك البنية الرسمية، في ذات السلطة التنفيذية (الحكومة) وفي صلتها
الطبيعية بالإرادة الملكية، فيجهل البعض، أو ربما يجزئ مقومات السلطة
الملكية، فيحصرها في ذات جلالة الملك المصونة، إلا أنها مؤسسة لها قوانينها
وعلاقاتها بمؤسسات الدولة الأخرى، ولها مواردها البشرية والمالية، فسمو
ولي العهد أحد أبرز أعمدتها، ولها إدارة تنفيذية برئاسة رئيس الديوان
الملكي، ويتبعه مدراء آخرون ومساعدو مدراء وموظفون، وينيب الملك ممثلاًً
شخصياً لجلالته للشئون الاجتماعية والتواصل الشعبي، ويفوض ولي عهده الجانب
الاقتصادي والسياسي.
إلا أنه ما أن تأتي مبادرة أو مشروع سياسي
لحلحلة الأوضاع الجاثمة على صدور الناس منذ العامين، حتى ينبري وزيرٌ في
الحكومة، لتفكيك رموز معادلتها، في تغليط فهم الطرف الشعبي للمبادرة، مرةً
في فبراير/ شباط 2011، حين تم التأكيد على أحقية الناس في التظاهر
والمطالبات الجماعية، من بعد إعلان الحداد الوطني على شهيدين، والأعلام
الوطنية مشدودة إلى أعلى أوتادها، في حين أنها تنكس في أصغر حداد وطني،
وعاد المحتجون إلى الدوار، ثم خرج علينا من الحكومة قائل، وحسب قوله
بالدليل، إن المعتصمين ليسوا مواطنين، بل طائفةٌ من الكفار أذناب صفوية
إيران، وقد أعدوا ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، للانقضاض على الوطن،
تعاونوا بسياسييهم وحقوقييهم، وأطبائهم ومدرّسيهم وعمالهم، وطلابهم ونسائهم
وأطفالهم، بشيبهم وشبابهم وأجنة نسائهم، لاختطاف الوطن، فكان في مارس/
آذار 2011 ما حدث من انتهاكات، فجاء الأمر الملكي بتشكيل لجنة تقصي
الحقائق، التي أدانت الكثير من التجاوزات الدستورية والقانونية والحقوقية
والإنسانية والمواطنية، وقبلت السلطة جل ما أتى به تقريرها في نوفمبر/
تشرين الثاني 2011، إلا أن لفظ القبول، تعاكس مع الفعل، فلم نجد تنفيذاً
حقيقياً، بقدر ما رأينا التفافات على فحوى القبول بالتنفيذ. ولكي لا نتوه
كثيراً، فقد دعا السيدبسيوني السلطات إلى الحوار مع المعارضة، من بعد تأكيد
أن الحراك الشعبي، برِّئ من الانقياد لتوجيهات أي جهة خارجية، وخصّ الجانب
الإيراني بالذات، لعلمه أنها – أي إيران – هي السهم التاريخي الذي تُرمى
به أية تحركات شعبية، وأكد على ضرورة إطلاق حرية الرأي والتعبير،
والتظاهرات والمطالبات الجماعية، لأنها الوسيلة السلمية التي لابد وأن تجمع
في حوار ما بين المعارضة والحكم، وربما أوردها تأكيداً لصحة مبادئ مبادرة
ولي العهد، وأشار إلى ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي،
إلا أن السلطات بحكم تداخل قرارات مستوياتها المختلفة، فإننا نرى أن ما
تقرره هذه الجهة، تنفذ خلافه تلك الجهة.
والحقيقة أن جميع السلطات
يتنافس أفرادها، فللاقتصاد أفراد، وللسياسة أفراد، وللخدمات أفراد، وللأمن
أفراد، كلٌ في مجاله، وقد غابت المؤسسات وغابت الرقابة الشعبية، لذلك
احتاجت السلطات إلى موالين، ينفذون مراميهم، ووجدوهم في القربى والمذهبية
والمصلحية، ما شقّ المجتمع إلى تركيبته السياسية والاجتماعية الحالية، وهي
بدورها برزت بوضوح في سنتي الصراع، ما بين الجانب الشعبي والجانب الرسمي،
والتي توسعت مظاهرها، إلى اعتماد قادة الموالاة على غرباء من خارج الوطن،
وعلى بسطاء من داخل الوطن، في تقوية صورية للموالاة، تمثلت في تظاهر
العمالة الوافدة إلى جانب الموالاة، على رغم قرار وزارة الداخلية بمنع
مشاركة الأجانب في التجمعات السياسية، وتحميل منظمي التظاهرات والتجمعات
مسئولية ذلك، وأيضاً في مشاركة غير مصنفين من طائفتهم، لا بمطالب ولا
ممارسة سياسية، في التظاهرات الموالية، جَمَعهم التحريض الطائفي، والإيهام
أنهم سينالون الحظوة، هكذا وبهذه البساطة، غرروا بالناس.
وقادة
الموالاة، في تحركاتهم الطائفية، وعبر الخطة المرسومة، لم يغفلوا عن نصوص
بيانات سائحة، مثل عدم تسييس القضاء، والمراد النيل من المعارضين ممن
يسمّونهم المجرمين والإرهابيين، مقابل التجاوزات القانونية والسياسية لصالح
الموالين، وحين التباكي على قتل النفس من غير حق، فهم يستثنون قتلى
المواطنين من الطائفة الأخرى، على أيدى قوات الأمن في الشوارع وتحت
التعذيب، وآخرها أن أحكام القضاء، صدمت أهل الفاتح، الاسم الذي تسمى به
قادة الموالاة، ليس ربطاً بمسجد الفاتح كما أشاعوا، بل بالجهة التى يدافعون
عنها، أي طائفتهم والسلطات، وهم القادة الذين تبنّوا أن البحرين خالصة
لطائفتهم، ووقفوا للدفاع عنها وعن أهلها، ضد أعدائهم من المواطنين من
الطائفة الأخرى والأغلبية الصامتة من طائفتهم، وأولئك المواطنون الذين
يقيسون المواطن بالمواطنة وليس الطائفة.
ويتحدث قادة الموالاة عن
الانشقاق الطائفي، في مظاهر ابتدعوها خصيصاً لتشويه المطالب الشعبية التي
تعم جميع المواطنين، ووصمها بالطائفية، من بعد التعايش والمجاورة والنسب،
فيما بين طائفتي المجتمع الأساسيتين، دهوراً طويلة، لعجز هؤلاء القادة
وتمنعهم عن المطالبة بها، لقاء تمييزهم، لا كطائفة بل لأشخاصهم، ويتساءل
قادة الموالاة، هل تُقدّم المكافآت للإرهابيين والمستمرين في أعمال العنف
والإرهاب، في الوقت الذي يحتاج الأمر إلى الصرامة والحزم، في تحريض
للمتنفذين في هذه السلطة أو تلك، الذين هم مصدر حظوتهم، المتمثلةً في
العطايا لهؤلاء القادة، والنسيان والضنك لتابعيهم، فالتابعون لدى قادة
الطائفية، ما هم إلا وقود لنار الطائفية التي يتدفأون بها، وهم على كراسي
الحظوة والتمييز، وهم فحم النار الذي يحترق، لينال القادة دخان العود
والطيب.
لذا ترانا نحن المواطنين اللاطائفيين، نستمد حقوقنا أسوةً
بحقوق شركائنا في الوطن، لا زيادة عليهم، ولا عنهم نقصان. نبراسنا المواطنة
المتساوية، والاحترام للمعتقدات على خلافها، ونحن كُثرٌ وفي ازدياد، فمن
يصافحني لأطبع على جبينه قبلة.
صحيفة الوسط البحرينية