المنشور

كم من الموت للفلسطيني



كم
من البقع العربية سيلاحق فيها الموت الإنسان الفلسطيني، فالفلسطيني الذي
يحسب أنه نجا، بقدرة قادر، من الموت في بقعة سيذهل حين يرى هذا الموت
يلاحقه في بقعة عربية أخرى، وإن لم يكن الموت هو القدر، فالتشرد والمخيم
المؤقت الذي ما أكثر ما استطال ليصبح دائماً . خرج الفلسطينيون من بلادهم
مُكرهين أكثر من مرة، ليتوزعوا على المنافي العربية وغير العربية، لكن
الموت لم يكف يسعى إليهم حتى وهم في شتاتهم . 


وما
أكثر ما وجدت أنظمة الاستبداد العربي في الفلسطيني هدفاً لها . في إحدى
نزواته ألقى القذافي بالفلسطينيين العاملين في ليبيا في الصحراء على
الحدود، لأن وجودهم في بلادٍ يحكمها يعيق قيام دولة فلسطين، وحين اجتاح
صدام حسين الكويت دفع الفلسطينيون المقيمون فيها الثمن مضاعفاً، وحين
اجتاحت القوات الأمريكية العراق وجد الفلسطينيون أنفسهم في خيام على الحدود
مع الأردن، لأنه لم يعد لهم مكان في العراق المحتل .


وفي
لبنان: كم من الحصارات والموت واجه الفلسطينيون ببنادق ودبابات العدو
والشقيق، منذ ملحمة تل الزعتر، مروراً بمجازر صبرا وشاتيلا، فضلاً عن حروب
المخيمات المتكررة التي كانت أجساد الفلسطينيين فيها حقل تجارب للموت
العبثي المجاني في لعبة السياسة المقيتة .


وأخيراً
أتى دور الفلسطينيين في سوريا، ها هو طيران وقذائف المتقاتلين هناك تحصدهم
في مخيماتهم في اليرموك وسواها، وهم الذين نأوا بأنفسهم منذ بداية الأزمة
عن التورط فيها .


عشرات
من المثقفين الفلسطينيين بعثوا برسالة إلى قيادتهم في رام الله، تحدثوا
فيها عن الأوقات العصيبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون بسوريا حيث قام
النظام السوري بقصف منطقة سكنية في قلب مخيم اليرموك راح ضحيتها العشرات من
القتلى والجرحى، مطالبين برفع الغطاء عن الفصائل التي تحاول جر
الفلسطينيين الى معركةٍ ليست لهم، وحاثين المنظمات الدولية على فرض الحماية
على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .


في
نهاية رواية “نجران تحت الصفر” ليحيى يخلف التي تدور أحداثها على الحدود
السعودية اليمنية، فترة الحرب الأهلية في اليمن بين الملكيين والجمهوريين
في ستينات القرن العشرين، يموت، خطأ، في قصف للطيران معلم فلسطيني لاجىء من
بلاده، أتى ليعلم التلاميذ في تلك المنطقة العربية النائية مبادىء الحساب
وحروف الأبجدية .


ختم الراوي الرواية بالقول:


“مضى الزمن الذي يموتُ فيه الفلسطيني بالخطأ” . لقد أصبح الفلسطيني هدفاً للموت .