المنشور

الربيع العربي… جزءٌ من حراك إنساني عالمي

المنطقة العربية تشهد متغيرات على ساحتها الشعبية المطالبة بتغييرات في
أنظمتها السياسية، وهذه المتغيرات أشد وطاة في بعض البلدان التي تسعى
لإجهاض حراك المجتمع وتغييب الفئات المهمشة والشباب والنساء.

إن ما
أحدثه حراك الشارع العربي الذي أطلق عليه مسمى «الربيع العربي» يُعَدُّ
جزءاً من حراك إنساني عالمي له مطالب إنسانية بحتة لا تحمل سمة الهوية
الاثنية أو العرقية أو الدينية حتى لو حاول البعض حرف المسار في هذا البلد
أو ذاك نحو اتجاهات تفرق المجتمع عن بعضه البعض. إن مطالب الربيع العربي
تنصبُّ في إطار حقوق إنسان، وهي تتمثل في معاني الحرية والعدالة والكرامة،
وهذا الحراك العربي لايزال في مرحلة انتقالية لم تكتمل بعد. إن ما حدث أمس
الأول (الإثنين) في تونس، مثلاً، وتحديداً في مدينة سيدي بوزيد عندما رشق
متظاهرون بالحجارة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن
جعفر اللذين زارا المدينة في الذكرى الثانية للثورة التي أطلقت «شرارة
الربيع العربي»، مطالبين بإسقاط الحكومة المنتخبة لأنها لم تحل مشكلة
البطالة ولم تحقق مطالبهم الإنسانية يوضح نوعية التحديات التي تواجه كل
الحكومات حتى تلك التي جاءت بعد انتصار الربيع العربي، وهو ما يضع الحكومات
في مصر وتونس وليبيا في وضع صعب؛ لأنها تحتاج إلى وقت لإنهاء إرث طويل من
الزمن للممارسات وللسياسات الخاطئة، إضافة إلى قلة التجربة مع الممارسة في
جو مفتوح وديمقراطي لم تعتد عليه شعوب المنطقة.

إن كل ذلك يدفع إلى
القول بأن الشوارع العربية أصبحت تنبض بالحياة السياسية الرافضة للخضوع. إن
حالة الاحتقان في المجتمعات العربية تعود في جانب منها إلى نسبة الشباب
الكبيرة التي لا توجد لها استراتيجيات صحيحة لتوفير العيش بكرامة.

لقد
غابت الإستراتيجيات الصحيحة عن مجتمعاتنا فترات طويلة وحلت مكانها أوهام
الحلم السريع للجاه والشهرة التي تسوق لها برامج بحجة احتضان المواهب أو
برامج المسابقات أو الاتصال السريع على شاشات الفضائيات، وهذه تذكرنا بأن
الشباب العربي يعيش خللاً حقيقياً ومستقبله غامض.

إن أي تغيير في
مصر، مثلاً، ستكون له انعكاسات إقليمية ودولية وسيعيد خلط الأوراق وخصوصاً
في ملف الصراع في الشرق الأوسط، والربيع العربي يرفض تغليب الحسابات
السياسية المرتبطة بالمصالح على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن ما
حدث في المنطقة انطلق بطاقات شبابية من أجل كف النظم المستبدة عن
الانتهاكات ومن أجل زيادة هامش الحريات الأساسية الذي يساهم في التطور
والانفتاح وهو أفضل وسيلة لتفادي التعصب وانعدام التسامح وعدم احترام
القانون والانتقام… إن الشباب العربي أصبح جيلاً للثورات والاحتجاجات وهو
اليوم ليس كالأمس، وهو مقتنع بأن الإصلاح والتغيير أصبح هوية جديدة تتناسب
مع تطلعاته وطموحاته.

إن الربيع العربي أصبح جزءاً من حراك إنساني
عالمي، ويرتبط بأفضل ما يتوافر في كل المجتمعات من معان إنسانية خالدة تقدس
كرامة الإنسان وتجعلها الهدف والغاية في كل ما ينتج عن اتفاق الناس في
كيفية إدارة شئونهم.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية