المنشور

مرة أخرى عن الحوار



هل لنا أن نتنفس
الصعداء قليلا على خلفية بعض المؤشرات الإيجابية في أعقاب دعوة ولي العهد للحوار  وردود الفعل الايجابية  من أطراف عدة في المعارضة ؟  ليس في المنطق و الواقع العربي و الإقليمي ما
يبرر إستمرار الأزمة و التأزيم ، و لعله قد آن الأوان لأن تتطابق الأفعال مع الأقوال
في موضوعة الحوار  ونبذ كل أشكال العنف
المادي و الإعلامي و وضع العراقيل و الحواجز في شكل شروط  و مطالب مكانها طاولة الحوار. العنصر الحاسم في
المرحلة الراهنة ،و قد بدأ صوت العقل يرتفع ،هو إعادة الثقة بين كافة الاطراف و
الكف عن التشكيك في كل ما هو إيجابي و كل مسعى يؤدي بنا إلى التوافق على وحدة الصف
لتفعيل الميثاق و تطوير التجربة الديمقراطية الوليدة دون إقصاء لأحد أو تمييز بين
مكونات الشعب الواحد. 


لن نخوض هنا في ردود
الأفعال من قوى في المعارضة و الموالاة و بعض البرلمانيين و الإعلاميين المدموغة
بنفَس الأزمة و التشنّج  إذ نُصرّ على رصد
مؤشرات الأمل و الشجاعة الأدبية و الوطنية لإحتواء الحالة الراهنة و منعها من الإنزلاق
نحو الأسوأ، بعد هذا الهدم المادي و المعنوي لوحدة الشعب و طموحاته المشروعة في
الديمقراطية و العيش الكريم . لم يعد الوضع يحتمل  اللعب بالمفردات لتغطية الحالة النفعية الإنتهازية
المضادة للإرادة الجامعة لأبناء الوطن و عقلائه في العيش المشترك و التطور السلمي
للدولة  ومؤسساتها و تطهيرها من الفساد
الإداري و المالي  و ضمان الحقوق الدستورية
و تلبية المطالب  المعيشية الملحة للمواطنين
. هذه الإرادة تتجلّى اليوم في مبادرة الحُكم و الردود الإيجابية و الحراك الذي
يترافق معها.  نتفاءل بالندوة الحقوقية
التي ينظمها مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية و الطاقة بمشاركة أكثر من 30
جمعية سياسية و حقوقية و مؤسسات المجتمع المدني التي نرى أنها بداية طيبة ، إذ
يلتقي  الفرقاء السياسييون بمختلف توجهاتهم
السياسية  في منتدى للحوار حول الطاولة بدل
حوار الشوارع  و الإعلام ، لعل هذه الندوة
” المغلقة ”  تشكل خطوة أولى
لتلمّس الطريق و رسم الخطوط العامة للحوار القادم بين هذه المكونات و السلطة  وتحصينها من السهام التي تُرمى في  وجه الحوار و جسده قبل أن يبدأ . 


إن مجمل التطورات
المتسارعة في المحيط العربي تفرض على القوى السياسية الحريصة على المصلحة الوطنية
و الدولة بأذرعها التشريعية و التنفيذية أن تعيد قراءاتها و إستخلاصاتها و أساليب
عملها لتتوافق مع الحالة الوطنية القائمة و معطيات الواقع بكل مناحيه و خصوصيته
السياسية و الاجتماعية و الجيوسياسية . لم يعد مقبولا بعد عامين من المواجهات
العقيمة و المؤذية عدم مراجعة قراءة المسار الذي قادنا الى هذا التأزيم على كافة
المستويات و أضاع زمناً كان يمكن أن يُستثمر في عمل تشريعي و تنموي يعالج الخلل
السياسي و الإجتماعي  ، و بالتالي فإن  فرصة الحوار الجديدة لا ينبغي أن تُهدر بالتردد
أو وضع العراقيل و العوائق أمامها ، بل و لا بد من التصدّي لكل من يُحرض و يعمل
على إجهاض هذه الفرصة و التشكيك فيها  و
تفعيل دور الهيئات المدنية التي تكونت بهدف مواجهة الإصطفاف الطائفي و رَتق الشقوق
التي أصابت النسيج الوطني ، و إبداء بوادر حسن النية  بتهدئة الشارع للجم العنف و العنف المضاد، و
التركيز على طاولة الحوار باعتبارها ساحة نضالية حضارية تتحاور فيها الأفكار و
البرامج للوصول إلى المشترك الذي يلبي طموحات الشعب و مصلحة الوطن في المرحلة
الراهنة بتوازناتها و متطلباتها . إن نجاح قوى المجتمع و السلطة في إخراج الوطن من
محنته الراهنة  عن طريق الحوار المباشر و
الجامع سيؤسس لتقليد وطني يُبنى عليه لمواكبة المتطلبات و الأهداف الوطنية  المناسبة لكل مرحلة من مراحل العمل الوطني حين
تنضج ظروفها في سيرورة مجتمعنا نحو التقدم و التطور السياسي و الاجتماعي .