المنشور

النضال القانوني ليس بديلا عن النضال الجماهيري




عندما ينشر هذا المقال
تكون عملية الاستفتاء على الدستور المصري قد بدأت، لكن لن نعرف النتائج النهائية
له، وقد كان المفترض في رأيي أن تقف المعارضة “المدنية” المصرية ضد
الدستور جملة وتفصيلا، لا أن تتمزق قواها بين المشاركة “بلا” والمقاطعة،
ويجب أن تناضل من أجل وضع دستور يمثل جميع المصريين وبمشاركتهم.



إن الاعتداد بالنضال
القانوني أكثر من النضال الجماهيري في الدول ذات الأنظمة المستبدة هو وهم، والقوى
السياسية البرجوازية تقع دائماً بنفس الوهم إذ تتصرف وكأن هذه الأنظمة تتسم بالنزاهة
تجاه الديموقراطية والقانون والدستور، ولا تتذكر أن السلطات يمكن أن تزور الإرادات
أو تضغط على الناس لتحصل على النتائج التي تريد، بما فيها استخدام الفتاوي والدين
وخطباء المساجد والمال السياسي لدفع الناس للمشاركة لصالحها، فالقوى الوطنية المصرية
وقعت في هذا المأزق عندما انقسمت بين مشارك بلا ومقاطع، مثلما ظهرت لدينا في
الكويت دعوات للذهاب إلى المحكمة الدستورية رغم أن مهمة المحكمة فنية وليست سياسية،
فموضوع مرسوم الضرورة أمر يتعلق بسمو الأمير ومجلس الأمة لاحقاً وليس من اختصاص
المحكمة الدستورية، أو مثل الدعوات للمشاركة بالورقة البيضاء كتعبير عن مقاطعة
الانتخابات رغم أنها في النهاية ستعني مشاركة.



كما تستطيع هذه الأنظمة
اللاديموقراطية تجيير الآلة الإعلامية الرسمية ذات الميزانيات الضخمة لدفع الناس
للمشاركة بالانتخابات أو لقول نعم للاستفتاء لصالحها، ومن السذاجة السياسية الثقة
بنزاهة الحكومات غير الديموقراطية، فنصدق أنه بالاستناد إلى الطرق القانونية وحدها
يمكن أن تتحقق الديموقراطية أو الحصول على الحقوق السياسية، ولنتذكر أن الأخوان في
مصر قد أنفقوا 950 مليون جنيه على انتخابات البرلمان والرئاسة واستفتاء 14 مارس،
وأعطوا صكوك الغفران لمن يصوت لصالحهم وكفروا من يرفض، والآن هم يستخدمون
ميليشياتهم لممارسة العنف على كل من يعارضهم.



بل أصبحت جماعة الأخوان
المسلمين بديلاً عن الدولة، فقد ذكرت جريدة “اليوم السابع” في عددها
الصادر يوم 14 ديسمبر نقلاً عن “وول ستريت جورنال” أن بطاقات الاقتراع
في الكويت تمت طباعتها بمطابع الأخوان لا مطابع السفارة التي تعطلت مطبعتها، كما
انتشرت في وسائل التواصل أن هناك جهات في الكويت تعرض مبلغ عشرين ديناراً لكل مصري
يصوت بنعم للدستور.



 فكيف تثق بعض القوى الوطنية الليبرالية المصرية
بأنها ستحقق أهدافها فقط بالطرق القانونية تحت إشراف مثل هذه الحكومات؟ التي لن
تكون بسذاجة هذه القوى فهي بالتأكيد لن تظل محايدة تجاه العملية الديموقراطية.



فالقوى البرجوازية
السياسية الليبرالية عادة تضفي هالة من القدسية والمثالية على القانون، رغم
خبراتها السابقة بأن القانون لا يعني شيئاً عند الأنظمة اللاديموقراطية، بل
ستنتهكه ببساطة وهو وسيلة لشق صفوف المعارضة.



فإذا خُيرت البرجوازية
بين النضالين الجماهيري والقانوني فستفضل الثاني دون تفكير أو تحليل، وهو يعكس خوفاً
تاريخياً من النضال الجماهيري، بسبب تضارب المصالح والصدام المستقبلي، فالعمل
الجماهيري لا يتوقف عند الديموقراطية السياسية بل سيتعداه إلى الديموقراطية
الاجتماعية وهو ما يمكن أن يضر بمصالح البرجوازية. 



إنها
فرصة لا تعوض للقوى الوطنية والتقدمية في مصر لاستكمال الثورة وتعديل مسارها.