التطورات التي شهدتها الساحة العربية خلال ما يقرب من العامين، بدءاً
بمأساة الشاب التونسي البوعزيزي، كانت أقرب إلى الزلزال الذي فجر جملة
التناقضات المتراكمة في المجتمعات العربية، منهية بذلك حالة الركود الظاهرة
إلى حالة من القلق والهيجان مسّت كافة مناحي الحياة والوعي العام، ودفعت
مختلف طبقات المجتمع إلى الحراك في ظل تنسيق وإخراج إعلامي غير مسبوق وعمل
دبلوماسي – استخباراتي – عسكري منسق. في مثل هذه التطورات التي تقطع
الحركة الرتيبة وتنقل الصراع الساسي والإجتماعي إلى حالة المواجهة
المكشوفة، يطغى الحماس والعاطفة وتُستنفر الغرائز ويتراجع الفكر و تختلط
المفاهيم ويُستغنى عن القيم والثوابت الفكرية والأيدلوجية لصالح نقيضها
بحجة الإجماع «الثوري». هي حالة عامة شهدتها تونس ومصر وأفضت إلى إجهاض
الحراك وتسليم السلطة إلى الإسلاميين لا ليحكموا بذات النهج الإقتصادي
والإجتماعي وبالسياسة الخارجية للسلطة السابقة فحسب بل ولينقضوا على الدولة
بكل مكوناتها الأمنية والعسكرية والسياسية والإجتماعية والفكرية، وليبدأوا
تنفيذ خطوات مشروعهم الديني بتقييد الحريات الأساسية وسلب الحقوق المكتسبة
للمرأة والقطاعات الأخرى في المجتمع.
على أن ما يهمنا في هذه المقاربة الانتكاسة التي أصابت القوى الوطنية
الديمقراطية والقوى العلمانية في المدى المنظور على الأقل، وارتهان حراكها
بحراك الإسلام السياسي دون أي إعتبار للتناقضات الجوهرية معها في الفكر
والبرنامج السياسي ولا للتجارب المرّة في التحالف مع هذه القوى المسكونة
بأهدافها وطموحاتها الخاصة، والتي تجيد التكتيك والمناورة بين الليونة
والمراوغة والقوة إن لزم الأمر.
وفي الواقع البحريني الزاخر بالحراك السياسي، وبنشاط المعارضة العلني في
أشكاله البرلمانية والجماهيرية والإعلامية التي كفلها الدستور، لم يتحصن
المجتمع من تأثير العاصفة «الربيعية»، فانجرفت معظم القوى السياسية إلى
الشارع تحت وطأة التطورات الخارجية لتختزل النضال الديمقراطي الدؤوب في
لحظةٍ عاصفةٍ مجنونة أفسحت في المجال للقوى المتطرفة وشعاراتها لتخلق ردود
الفعل وتبررها بين رائحة الدم والبارود وتصدع وحدة الشعب وأبواقٍ في الداخل
والخارج تزعزع الوعي الوطني وتزرع الأوهام. في مثل تلك الأجواء لم يكن من
السهل التمييز بين الخطأ والصواب، بين منهجية العمل السياسي والشعبوية
وفوضى الشعارات والحراك. لم يكن من السهل التوفيق بين العمل السياسي
المشترك بين فرقاء العمل السياسي والتمسك بالخط السياسي والنهج النضالي
المعتمد في النظام الأساسي والبرامج السياسية.
يتم اليوم توجيه نقد متواصل للقوى الوطنية الديمقراطية ومنها المنبر
الديمقراطي التقدمي على مشاركتها في أحداث فبراير أو ما يسمى بأحداث
الدوار، وهو نقد واجب وضرورة إذ وُجدت هذه القوى من صميم الشعب وفئاته
الكادحة لتناضل في سبيل مصالحه الحقيقية في الديمقراطية والعدالة
الإجتماعية والسيادة الوطنية مما يجعلها في موضع المساءلة حين تنحرف عن
بوصلتها سواء في التكتيك النضالي أو الإستراتيجية. غير أن النقد الموجّه من
داخل الجسم التنظيمي أو من الأصدقاء والمناصرين لن يجدِ إن لم يكن في إطار
الحرص على دور التيار الوطني الديمقراطي ولتصحيح المسار وتوطيد بُناه
الفكرية والتنظيمية والجماهيرية. ففي ظل الإوضاع السياسية المتردية و
النزعات الطائفية والهرولة نحو العنف والعنف المضاد وإصرار بعض أطياف
المعارضة على أسلوب المواجهة التصاعدية، يصبح من الملحّ الدفع في اتجاه
بلورة التيار الوطني الديمقراطي في نهجه وهيكلته المستقلة في مواجهة
الاصطفاف الطائفي بما يسمح بخلق تحالف ديمقراطي واسع يعيد الحراك إلى أطره
الدستورية ويلجم الهرولة نحو العنف والاصطفاف الطائفي. بمعنى أن النقد
الموضوعي ينبغي أن يتوخى هذا الهدف وإلا فإننا نحجب قوى لها مصلحة حقيقية
في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق المطالب الديمقراطية والاجتماعية
لصالح قوى تشد في اتجاه «ديمقراطية» تقنن الفوارق الطائفية وأخرى تقابلها
في التقسيم الطائفي.
التيار الوطني الديمقراطي نتاج لهذا المجتمع بتمايزاته الطبقية والقبلبة
والطائفية ومستوى الوعي السياسي والاجتماعي وبتفاعله مع المحيط الخارجي،
وبالتالي فإنه لا يمكن أن نتصور حصانة هذا التيار عن الخطأ. لقد سبق للبعض
من مكونات التيار أن تقدم بنقد ذاتي لمرحلة «الدوار». ولقد كان المنبر
الديمقراطي أكثر وضوحاً في ورقته النقدية التي انعكست في مواقفه العملية
منذ إقرار الوثيقه و أهمها خروجه من تحالف الوفاق وفي المواقف السياسية
المتزنة في العديد من بياناته. المنبر كتنظيم سياسي تقدمي لا يمكن أن يكون
قالبا جامدا في الرأي والتنظيم. هناك حراك مستمر في الجسم التنظيمي و
تناقضات واختلافات فكرية وسياسية، و قد يغلب خط سياسي على آخر ولكن الأصل
في الوثائق الأساسية والنهج الفكري العام والموروث النضالي لجبهة التحرير
الوطني ولكل من انضوى في صفوف المنبر خدمة للشعب وقضيته الوطنية.
الاختلافات ظاهرة صحية، إذ لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية للمجتمع ونحن
نقمع التمايز والتناقضات الداخلية. ولعل أفضل خدمة يقدمها أبناء المنبر
لمصلحة الحفاظ على نهجه الفكري والنضالي الديمقراطي واستقلاليته ودوره في
تأطير التيار الوطني الديمقراطي، هي العودة إلى صفوفه وتحمل مسؤولية العمل
لتحصين هذا النهج وليكون النقد ساعتئذ أداة بناء وتقويم .
بمأساة الشاب التونسي البوعزيزي، كانت أقرب إلى الزلزال الذي فجر جملة
التناقضات المتراكمة في المجتمعات العربية، منهية بذلك حالة الركود الظاهرة
إلى حالة من القلق والهيجان مسّت كافة مناحي الحياة والوعي العام، ودفعت
مختلف طبقات المجتمع إلى الحراك في ظل تنسيق وإخراج إعلامي غير مسبوق وعمل
دبلوماسي – استخباراتي – عسكري منسق. في مثل هذه التطورات التي تقطع
الحركة الرتيبة وتنقل الصراع الساسي والإجتماعي إلى حالة المواجهة
المكشوفة، يطغى الحماس والعاطفة وتُستنفر الغرائز ويتراجع الفكر و تختلط
المفاهيم ويُستغنى عن القيم والثوابت الفكرية والأيدلوجية لصالح نقيضها
بحجة الإجماع «الثوري». هي حالة عامة شهدتها تونس ومصر وأفضت إلى إجهاض
الحراك وتسليم السلطة إلى الإسلاميين لا ليحكموا بذات النهج الإقتصادي
والإجتماعي وبالسياسة الخارجية للسلطة السابقة فحسب بل ولينقضوا على الدولة
بكل مكوناتها الأمنية والعسكرية والسياسية والإجتماعية والفكرية، وليبدأوا
تنفيذ خطوات مشروعهم الديني بتقييد الحريات الأساسية وسلب الحقوق المكتسبة
للمرأة والقطاعات الأخرى في المجتمع.
على أن ما يهمنا في هذه المقاربة الانتكاسة التي أصابت القوى الوطنية
الديمقراطية والقوى العلمانية في المدى المنظور على الأقل، وارتهان حراكها
بحراك الإسلام السياسي دون أي إعتبار للتناقضات الجوهرية معها في الفكر
والبرنامج السياسي ولا للتجارب المرّة في التحالف مع هذه القوى المسكونة
بأهدافها وطموحاتها الخاصة، والتي تجيد التكتيك والمناورة بين الليونة
والمراوغة والقوة إن لزم الأمر.
وفي الواقع البحريني الزاخر بالحراك السياسي، وبنشاط المعارضة العلني في
أشكاله البرلمانية والجماهيرية والإعلامية التي كفلها الدستور، لم يتحصن
المجتمع من تأثير العاصفة «الربيعية»، فانجرفت معظم القوى السياسية إلى
الشارع تحت وطأة التطورات الخارجية لتختزل النضال الديمقراطي الدؤوب في
لحظةٍ عاصفةٍ مجنونة أفسحت في المجال للقوى المتطرفة وشعاراتها لتخلق ردود
الفعل وتبررها بين رائحة الدم والبارود وتصدع وحدة الشعب وأبواقٍ في الداخل
والخارج تزعزع الوعي الوطني وتزرع الأوهام. في مثل تلك الأجواء لم يكن من
السهل التمييز بين الخطأ والصواب، بين منهجية العمل السياسي والشعبوية
وفوضى الشعارات والحراك. لم يكن من السهل التوفيق بين العمل السياسي
المشترك بين فرقاء العمل السياسي والتمسك بالخط السياسي والنهج النضالي
المعتمد في النظام الأساسي والبرامج السياسية.
يتم اليوم توجيه نقد متواصل للقوى الوطنية الديمقراطية ومنها المنبر
الديمقراطي التقدمي على مشاركتها في أحداث فبراير أو ما يسمى بأحداث
الدوار، وهو نقد واجب وضرورة إذ وُجدت هذه القوى من صميم الشعب وفئاته
الكادحة لتناضل في سبيل مصالحه الحقيقية في الديمقراطية والعدالة
الإجتماعية والسيادة الوطنية مما يجعلها في موضع المساءلة حين تنحرف عن
بوصلتها سواء في التكتيك النضالي أو الإستراتيجية. غير أن النقد الموجّه من
داخل الجسم التنظيمي أو من الأصدقاء والمناصرين لن يجدِ إن لم يكن في إطار
الحرص على دور التيار الوطني الديمقراطي ولتصحيح المسار وتوطيد بُناه
الفكرية والتنظيمية والجماهيرية. ففي ظل الإوضاع السياسية المتردية و
النزعات الطائفية والهرولة نحو العنف والعنف المضاد وإصرار بعض أطياف
المعارضة على أسلوب المواجهة التصاعدية، يصبح من الملحّ الدفع في اتجاه
بلورة التيار الوطني الديمقراطي في نهجه وهيكلته المستقلة في مواجهة
الاصطفاف الطائفي بما يسمح بخلق تحالف ديمقراطي واسع يعيد الحراك إلى أطره
الدستورية ويلجم الهرولة نحو العنف والاصطفاف الطائفي. بمعنى أن النقد
الموضوعي ينبغي أن يتوخى هذا الهدف وإلا فإننا نحجب قوى لها مصلحة حقيقية
في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق المطالب الديمقراطية والاجتماعية
لصالح قوى تشد في اتجاه «ديمقراطية» تقنن الفوارق الطائفية وأخرى تقابلها
في التقسيم الطائفي.
التيار الوطني الديمقراطي نتاج لهذا المجتمع بتمايزاته الطبقية والقبلبة
والطائفية ومستوى الوعي السياسي والاجتماعي وبتفاعله مع المحيط الخارجي،
وبالتالي فإنه لا يمكن أن نتصور حصانة هذا التيار عن الخطأ. لقد سبق للبعض
من مكونات التيار أن تقدم بنقد ذاتي لمرحلة «الدوار». ولقد كان المنبر
الديمقراطي أكثر وضوحاً في ورقته النقدية التي انعكست في مواقفه العملية
منذ إقرار الوثيقه و أهمها خروجه من تحالف الوفاق وفي المواقف السياسية
المتزنة في العديد من بياناته. المنبر كتنظيم سياسي تقدمي لا يمكن أن يكون
قالبا جامدا في الرأي والتنظيم. هناك حراك مستمر في الجسم التنظيمي و
تناقضات واختلافات فكرية وسياسية، و قد يغلب خط سياسي على آخر ولكن الأصل
في الوثائق الأساسية والنهج الفكري العام والموروث النضالي لجبهة التحرير
الوطني ولكل من انضوى في صفوف المنبر خدمة للشعب وقضيته الوطنية.
الاختلافات ظاهرة صحية، إذ لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية للمجتمع ونحن
نقمع التمايز والتناقضات الداخلية. ولعل أفضل خدمة يقدمها أبناء المنبر
لمصلحة الحفاظ على نهجه الفكري والنضالي الديمقراطي واستقلاليته ودوره في
تأطير التيار الوطني الديمقراطي، هي العودة إلى صفوفه وتحمل مسؤولية العمل
لتحصين هذا النهج وليكون النقد ساعتئذ أداة بناء وتقويم .