في
ظل تكدس التقارير المختلفة والمتضاربة القراءات والتوقعات والاستنتاجات،
يبرز تكثف أنشطة الاستكشاف النفطي والغازي، البري والبحري، في غير بقعة من
العالم، كإحدى السمات التي تميز الصناعة النفطية العالمية هذه الأيام .
فبعد
جولة مناقصة قواطعها البحرية التي أجريت في شهر فبراير/شباط الماضي والتي
حققت فيها شركة كوبالت انترناشيونال انيرجي الأمريكية المتخصصة في التنقيب
عن النفط والغاز في المياه العميقة في كل من خليج المكسيك والغابون، نجاحاً
في القطاعين رقمي 9 و21 اللذين تمت ترسية مناقصتهما عليها، حيث تقدر
الشركة حجم الاكتشافات النفطية التي عثرت عليها بحوالي 5 .1 مليون برميل .
مع أن الشركة تعتبر حديثة حيث يعود تاريخ إنشائها إلى عام 2005 إلا أنها
تحظى بدعم مجموعة جولدمان ساخس الأمريكية المصرفية الاستثمارية بعد تلك
الجولة من ترسية مناقصات وعقود الاستكشاف، تخطط الحكومة الأنغولية لطرح
حقوق استكشاف جديدة على اليابسة هذه المرة تقريباً في نفس الحوض الذي نجحت
كوبالت في جهود استكشافاتها، حيث تنوي أنغولا مضاعفة إنتاجها النفطي من 8
.1 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي إلى 5 .3 مليون برميل بحلول عام
2020 .
روسيا
التي تصدرت السباق الأسبق في شهر (أغسطس 2012) كأكبر منتج للنفط في العالم
(38 .10 مليون برميل يومياً تلتها السعودية ب 7 .9 مليون برميل يومياً)،
تسعى لتكثيف عملياتها الاستكشافية بارتياد مناطق غير اعتيادية كمنطقة القطب
الشمالي الروسية، حيث يتجه الكرملين لاستبدال صيغة إعطاء حصة لشركات النفط
العالمية الرئيسة في حقول هذه المنطقة، وذلك بالتركيز عوضاً عنها على صيغة
إنشاء شركات نفطية روسية أجنبية صغيرة مشتركة لأعمال الاستكشاف والإنتاج
للقيام بأعمال الاستكشاف البحرية في منطقة القطب الشمالي تحديداً، وذلك في
إطار سياسة أكثر انفتاحاً على إصدار تراخيص الاستكشاف والتنقيب البحرية،
وجعل النظام الضريبي المعمول به في هذا القطاع أكثر مرونة .
وفي
إطار هذا التوجه الجديد للصناعة النفطية الروسية عموماً ولأنشطة الاستكشاف
والخدمات البترولية المرافقة، لربما شهدنا قريباً أيضاً عودة جزئية لما
تُسمى باتفاقيات خدمات الإنتاج التي أثيرت مؤخراً خصوصاً في ما يتصل بتكثيف
أنشطة الاستكشاف النفطي الروسية في منطقة القطب الشمالي . حيث صار واضحاً
أن روسيا عازمة على تطوير صناعتها الخاصة بخدمات البئر والبنى التحتية
الأخرى المتصلة بالصناعة النفطية . ولسوف تمنح عقود اتفاقيات خدمات الإنتاج
إلى الشركات الروسية ما لم تظهر الشركات الأجنبية أفضلية تجارية . ويعترف
التشريع الروسي الجديد في مجال الهيدروكربون، بالدور الإيجابي الذي تلعبه
الشركات الأجنبية العاملة مع الشركات الروسية في تطوير الثروات النفطية
الروسية في القطب الشمالي، ولم يعد يُنظر إلى حصة ملكيتها كتهديد للسيادة
الوطنية .
ومن
الواضح أن الحكومة الروسية ما كانت لتقدم على هذه الإجراءات التيسيرية
للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية، لولا تيقن شركات النفط الوطنية
الروسية وشركات النفط العالمة من عدم كفاية البيانات الجيولوجية والبنية
التحتية في القسم الروسي من القطب الشمالي، والذي يهدد بشكل جدي أعمال
الاستكشاف التي يقوم بها ائتلاف إكسون الأمريكية وروس نفت الروسية في جنوب
بحر كارا، والحاجة، بالتالي، إلى نظام ضريبي يشجع الاستثمار في جمع
البيانات وتحليلها .
ومع
أنه إدراك متأخر لشركات القطاع النفطي الروسي لأهمية قيام روسيا بتطوير
قدراتها الذاتية في مجال ما يسمى خدمات البئر، وهي من أهم الخدمات
البترولية المرافقة للقطاع النفطي بشقيه العمودي والأفقي من أجل ارتياد
الأسواق العالمية، فإن هذه الخطوة سوف تقرب شركات النفط الروسية من عقد
شراكات مع شركائها في السوق الروسية مثل إكسون الأمريكية وغيرها من الشركات
الغربية للعمل معاً خارج نطاق دول الكومنولث المستقلة (الدول التي كانت
تنتظم الاتحاد السوفييتي السابق)، حيث ستمكن الشركات الروسية من خلق
كوادرها الفنية في مناطق الشمال الروسي للاستكشافات البترولية .
ولكن
قبل ذلك سوف يتعين على الحكومة الروسية توفيق مصالح شركات النفط الروسية
المتنافسة على الأراضي الروسية للفوز بأكبر حصة امتيازات من أعمال
الاستكشاف عن النفط والغاز، وتحديداً شركات غاز بروم، وروس نفت، ونوفاتك،
ولوك أويل، وإذا ما حدث ذلك وتمكنت هذه الشركات من التوصل إلى صيغة تكاملية
للعمل في مجال الخدمات البترولية بشكل عام بالتعاون مع شركات النفط
العالمية، فإن ذلك يمكن أن يشكل نموذجاً للعمل المشترك بين شركات النفط
العالمية وشركات النفط الوطنية في القرن الحادي والعشرين .