يقول المفكر محمود أمين العالم: الإنسان هو أروع ثمار الحياة، عقلها الواعي، وقلبها المشتاق أو حسها الفنان وإرادتها الفعالة. والإنسان في جوهره موقف، إنه ليس مجرد إشباع لرغبة، او استجابة لمؤثر.. وانما هو كذلك – وفي الجوهر – إضافة عبقرية خلاقة إلى الحياة، تاريخ يتدفق صاعداً. ويعمل ويعاني، ويكتشف ويتخطى ويجدد ويبدع».
هكذا كان المناضل التقدمي الأممي محمد السيد «أبو سلام» كان ماركسياً مخلصاً لليسار ولثقافة التنوير ومدافعاً حقيقياً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. كان مناضلاً أعطى للوطن الكثير وأعطى للجماهير نضالاً طويلاً بين صفوفها وما أكثر المناضلين الشرفاء الذين قدموا التضحيات في مسيرة الوطن التحريرية والوطنية من أجل الاستقلال الوطني والعدالة والمساواة والديمقراطية والحداثة والتنوير ولأن محمد السيد أحد العلامات البارزة في النضال التقدمي البحريني والعربي كان تطوره الفكري والسياسي يستند وهو أحد رموز جبهة التحرير والنضال الطويل إلى رؤية تقدمية لوطن تنتصر فيه حقوق العمال والمرأة والمهمشين.. كانت أولوياته الفكرية والسياسية الحفاظ على هوية اليسار وتلاحم القوى الديمقراطية.
نعم هكذا كان محمد السيد.. هكذا كان كفاحه في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية ومن محطات هذا الكفاح انتفاضة مارس عام 1965 التي شارك فيها العمال والطلاب وكل الجماهير الكادحة من أجل تحسين الظروف المعيشية التي كانت تعاني منها غالبية الجماهير وكذلك التصدي لمشروع شركة النفط الأمريكية «بابكو» بطرد ألف وخمسمائة عامل من خدمتها.
في حينها قامت جبهة التحرير والقوى الوطنية الأخرى بقيادة هذه الانتفاضة التي امتدت على مدة ثلاثة أشهر وشملت كافة مدن وقرى البحرين والتي استشهد فيها ستة من أبناء شعب البحرين وجرح العشرات.. وضربت الجماهير من رجال ونساء أروع الأمثلة في البطولة والصمود.. وكانت هذه الانتفاضة نقطة تحول في سير الحركة الوطنية حيث استلمت الطبقة العاملة والجماهير المحرومة قيادة الحركة الوطنية وانتهى دور البرجوازية الوطنية «التجارية» القيادي.
في تلك الفترة كان محمد السيد القيادي في جبهة التحرير والمسؤول عن منطقة المحرق ممثلاً عن الجبهة في لجنة قيادة الانتفاضة التي تحدث عنها في كتابه «يوميات من انتفاضة مارس 1965.. حيث قال: إن هذه الانتفاضة كانت ثورة ولكن من نوع خاص ثورة قوامها العمال وعمادها الجماهير الكادحة من جميع فئات شعب البحرين المسحوقة وقد سالت على جوانبها الدماء لكن دماء أناس بعينهم تضامنوا بمحض إرادتهم واختيارهم مع جماهير شعبهم تلك الجماهير التي لم تكن مظللة ولا مخدوعة ولم تسير بأوامر من أحد.. بل كان اندفاعها وتضامنها من أجل الخلاص من سطوة الظلم والانعتاق من نير الاستعمار الغاشم وأعوانه. تلك دماء سالت بحسرة وغزارة من قلوب أناس لم يحملوا السلاح ضد أحد ولم يهددوا حياة أحد، ولم يعتدوا على أموال وممتلكات أحد..
نقول إنها دماء أناس بعينهم وذلك لأن الفرز الطبقي الاجتماعي كان واضحاً وكان ذلك الفرز نتاج تطورات وتحولات اجتماعية واقتصادية حصلت أو بدأت أن تحصل مباشرة بعد قمع وتصفية حركة هيئة الاتحاد الوطني عام 1956 وعلى ضوء تلك التحولات حصل تفاوت طبقي سحيق في بنية المجتمع البحريني وبين شرائحه وطبقاته ومن جملة تلك الشرائح والطبقات الاجتماعية الكادحة جاءت الانتفاضة عفوية تلقائية حيث كان قد اختزلها الجور والجوع ودفع بها التعسف وفاجأت القوى الوطنية السياسية العاملة في سرية تامة في ذلك الوقت «قومية كانت تقدمية» حيث وجدت نفسها في خضم الأحداث وتفاعلت معها بسرعة وتولت قيادتها لكن ثبت عدم جاهزيتها وعدم استعدادها منها عدم إدخار هذه القوى للمواد الآنية والمستقبلية التي قد تحتاجها الانتفاضة وعدم توفير مساعدات مالية لتلبية احتياجات الجماهير الفقيرة لضمان استمرارية الانتفاضة وانتصارها مما ساهم سلباً في النتائج التي تمخضت عنها».
وفي مسيرة حياته النضالية ثمة محطات أخرى مليئة بالعمل النقابي والعمال والاجتماعي والحقوقي. لسنا هنا – بالطبع – في مجال الوقوف على مجمل كل هذه المحطات، ولكن كل ما نود قوله بحق هذا المناضل هو لم يثنه القمع والملاحقات البوليسية بعد الانتفاضة ولا عذابات السجون إبان قانون أمن الدولة الرجعي السيئ الصيت بل ظل أميناً ووفياً لمبادئ اليسار والتقدم والحداثة.
لقد كان محمد السيد بحق معلماً تتعلم منه فن الإصغاء ومهما اختلفت معه في الرأي أو الموقف فإنه يحترم الرأي الآخر وهو في الحقيقة واسع الاطلاع والمعرفة شفافاً متفائلاً عاشقاً لرفيقة دربه أمينة وللبحرين في ظل مشروعها الإصلاحي.. لم يكن نرجسياً ولا مصاباً بداء الغرور والازدواجية بل كان نموذجاً رائعاً للبساطة وحب الناس وما أكثر الخصال المضيئة في شخصه.
كل التعازي للإنسانة الجميلة أمينة ولأبنائه وأسرته ورفاق الدرب وسيبقى اسمه نبراساً مضيئاً لنا.
الأيام 8 ديسمبر 2012