في الحقيقة، كنت أنوي الكتابة عن فرقة «أجراس» البحرينية الأصيلة،
الأسبوع المقبل، ولكن رؤية إحدى عضواتها تمر من أمامنا، جعلت الاشتياق
قويّاً جداً، ولم يستطع القلم إلاّ المثول أمام الفؤاد، ليعبّر عن جزيل
الشكر والامتنان والفخر لهذه الفرقة البحرينية، التي اختفت فجأةً عن الساحة
الفنّية، وما عدنا نسمع صوتها الشجي الحنون الوطني الغيور. فأينكِ يا فرقة
أجراس؟!
لن نعدّد أسماء أسرة هذه الفرقة، فالجميع كان على قدر
الإبداع والصوت القوي الجميل، لقد غرّدوا منذ 12 يوليو/تمّوز 1982، وكانت
تغريداتهم قبل ظهور المغرّدين الإلكترونيين، فزادوا من اللحمة الوطنية،
وشجّعوا على حب هذه الأرض الطاهرة، بلا طائفية ولا تمثيل لفئة معيّنة.
وعندما
صمت تغريدهم، لم نجد أحداً يطالبهم بالرجوع، ولم نعلم بأي توجّه من وزارة
الإعلام إلى دعم هذه الفرقة من أجل مواصلة الركب، بل وجدنا الإهمال الشنيع
من قبل الجميع، وشاهدنا الفرقة تتعثّر وتتبعثر يوماً بعد يوم، حتى وهن
عظمها، واشتدّت مشكلاتها، وصمتت لسنواتٍ عدّة. ما يؤسفنا حقّاً عندما نجد
فئة متميّزة مبدعة كفرقة أجراس تندثر كما اندثر بعض التراث البحريني، فهي
معلم من معالم وطننا، نتشرّف بها كلّما حلّقنا خارج البحرين، حتى أنّ أهل
الخليج يسألوننا عنها، ويذكّروننا بأغانيها، كأغنية «بابل» التي لاقت صدى
قويّاً لدى الجمهور العربي، وأغنية «ليلى العدنية» و»أم الجدايل» وغيرها من
الأغاني الرائعة.
دمعت العين اليوم على عدم تواجد هذه الفرقة من أجل
المشاركة في إرجاع اللحمة الوطنية، ونحن ندين وزارة الإعلام قبل غيرها على
عدم مناصرة الفرقة عندما صدعت وتشقّقت جدرانها، ولم نجد أحدهم يقوّيها،
فالفرقة تحتاج الكثير، فأين هو ذلك المموّل أو شركة الإنتاج الذي سيسعى من
أجلها؟ لا أحد سمعنا به حاول مد يده إلى فرقة أجراس.
وإذ إنّنا نشهد
وجود صرح الثقافة المتمثّل في مسرح البحرين الوطني، نتمنّى سماع صوت فرقة
أجراس داخل معقله، حتى تدوي تلك الكلمات المطالبة باللحمة الوطنية والحرّية
وغيرها من الكلمات، لتدخل القلوب وتترك أثراً فيها ولا تخرج منها أبداً.
لكم
قلوبنا يا فرقة أجراس، ولكم مناصرة شعب البحرين بطوائفه، وإنّنا نحتاجكم
الآن أكثر من السابق، فغناؤكم وكلماتكم بل و«كلّكم» من أولوياتنا، ووجب
الاهتمام بكم، لأنّكم ذخر البحرين وذخيرتها الباقية في تاريخنا العظيم.
فليتذكّر أهل البحرين كلمات أغنية من أغنيات الفرقة التي وحّدت ولم تفرّق، أغنية «بابل» من كلمات سميح القاسم، وألحان علي الديري:
يا بلاداً بلّلت كل صدى…وصداها لم يرد إلا سرابا
يا بلادي نحن ما زلنا على … قسم الفدية شوقاً وارتقابا
يا بلادى قبل ميعاد الضحى…موعد ينضو عن النور حجابا
نكبة التيه التي أودت بنا…فطرقنا في الدجى باباً فبابا
عمّقت سكّينها في جرحنا…وجرت في دمنا سمعاً وصابا
وتهاوينا على أنقاضنا…فخراباً ضمّ في البؤس خرابا
ومن الأعماق من تربتنا…هتف التاريخ والمجد أهابا
فإذا أيامنا مشرقة…بدم من لونه أعطى الترابا