من الواضح تماماً أنه ما لم تكن هناك إرادة حقيقية للإصلاح، فإن محاولات
الهروب للأمام، وحملات العلاقات العامة الخارجية، وتثبيت الحل الأمني، لن
يفضي إلى أية نتيجة، سواء في الداخل أو الخارج، وخصوصاً إن صاحب كل ذلك،
تضييق على الحريات العامة والدينية وقمع حرية الرأي والتعبير، وسحب جنسيات
المواطنين.
فعلى المستوى الداخلي، فإن هذه الأمور لن تزيد الوضع إلا
احتقاناً سياسياً، وخسائر في الأرواح والممتلكات، وركوداً اقتصادياً، وهروب
الاستثمارات الأجنبية، وشقاقاً بين مكونات المجتمع البحريني، وكل ذلك يمثل
كلفة باهظة لا تستطيع البحرين احتمالها.
في حين أن محاولات تجميل
صورة الوضع البحريني في الخارج، سواء عن طريق شركات العلاقات العامة، أو
الوفود الرسمية، أثبتت حتى الآن فشلها في إقناع دول العالم والمنظمات
الحقوقية الدولية بوجهة النظر الرسمية من أن الحراك الشعبي في البحرين حراك
طائفي مدعوم من الخارج.
فحتى حكومة الولايات المتحدة الأميركية،
والتي تعتبر دول الخليج والبحرين شريكاً مهماً واستراتيجياً وصديقاً قديماً
لها، تؤكد على لسان المتحدثة الرسمية للخارجية الأميركية، فيكتوريا
نولاند، أن البحرين «مازالت متأخرة في تنفيذ كامل توصيات اللجنة البحرينية
المستقلة لتقصي الحقائق، لاسيما فيما يتعلق بمساءلة الرسميين عن الإساءات،
والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، وإصلاحات ذات مغزى في قطاع
الأمن والبيئة السياسية، التي أصبحت قاسية على نحو متزايد فيما يخص
المصالحة».
فيما ترى بريطانيا، وعلى لسان وزير شئون الشرق الأوسط،
أليستر بيرت، أن «البحرين بطيئة في تنفيذ التوصيات، وأن هناك الكثير جداً
مما يتعين عمله بشأن تخفيف الرقابة والسماح بحرية أكبر للمعارضة للاتصال
بوسائل الإعلام، وشمول قوات الأمن أفراد من كل طوائف المجتمع، كما أن هناك
علامات استفهام بشأن المساءلة عن حالات الوفاة ومزاعم التعذيب عقب
الإضرابات في 2011».
وخذ على هذا المنوال، مجلس اللوردات البريطاني
والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي سترسل فريقاً
حقوقياً إلى البحرين بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول لمراجعة التدابير التي
اتخذتها الحكومة لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق،
والتوصيات التي وافقت عليها البحرين خلال الاستعراض الدوري الشامل، الذي
جرى مؤخراً من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
أما رئيس اللجنة
البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، محمود شريف بسيوني، والذي يمكن أن يقول
الكلمة الفصل في هذا الموضوع، فهو يؤكد «إن تنفيذ التوصيات يتسم بعدم
الكفاية، وإن هناك عدداً من التوصيات الخاصة بالمحاسبة التي لم تنفذ أو تم
تنفيذها على مضض، ولم تحقق النيابة العامة حتى الآن في أكثر من 300 قضية
تعذيب مزعوم ينطوي بعضها على حالات وفاة في أثناء الاحتجاز».
ويقول
«لا يمكنك القول بتحقيق العدالة حين تكون المطالبة بتحويل البحرين إلى
جمهورية هي السجن المؤبد، بينما يعاقب الضابط الذي أطلق النار مراراً على
رجل أعزل من مسافة قريبة بالسجن لمدة سبعة أعوام فقط».
إذن، فليس
المعارضة فقط هي من ترى أن البحرين لم تطبق التوصيات بشكل جدي، ولكن الجميع
يرى ذلك، ويرى أن الهروب إلى الأمام، لا يمكن أن يحل المشاكل، وأن من غير
المقبول أن يتم تقديم كلف وتضحيات باهظة، وخصوصاً إن كانت المطالب الشعبية
لا يمكن إلغاؤها، وسيتم تحقيقها، إن لم يكن الآن، ففي المستقبل القريب.