تعيش بلدان المنطقة العربية أجواءً مفعمةً بالتوتر والدم، سواءً كانت مع الحرب الشعواء التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة دون رحمة، أو مع الأنظمة العربية التي تشن هي الأخرى حرباً قاسية دون رحمة ضد إرادة الشعوب في التغيير والحرية والكرامة، ضمن صحوة الشعوب التي تشهدها شوارع وميادين العواصم في بلدان الربيع العربي. ومن حق البحرينيين الشعور بالفخر والاعتزاز بأنه وعلى الرغم من صغر بلادهم الا انهم يشاركون الآخرين في الربيع العربي وفي إغاثة غزة.
ورغم تسارع وتيرة التغييرات في المنطقة، إلا أن تمسُّك الشعوب بالتغيير مازال مستمراً في مناهضة من يقاوم أو يزايد على ثورات الربيع، أو من خلال قمع المسيرات الشعبية لمجرد المطالبة بالحرية، وذلك عبر إصدار قرارت المنع والعقاب. وهو أسلوب متبع في ظل استخفاف الأنظمة بحقوق الإنسان، واستمرار لغة الدبلوماسية الناعمة من قبل المجتمع الدولي.
وما يُقرأ في المشهد السياسي العربي، يبدو جلياً أن دول المنطقة مشغولة في حياكة مؤامرات الفرقة في مجتمعاتها وبث سموم الطائفية من أجل استمرار القبضة التي لا تأبه بحرية وعدالة للآخر، لمقاومة الحراك الشعبي، لكن هذا لا يمكن صدّه أو المراهنة على الوقت، لأن ما تحمله سمات المرحلة الحالية يختلف كثيراًَ عما عاصرته هذه الأنظمة قبل أربعين عاماً.
ولهذا فإن ما يميز المرحلة التي جاءت بعد الربيع العربي، هو صمود الشعوب واستمرار حراك الشارع رغم كل الضغوط التي تصاحب هذه المرحلة، التي تشد أزرها في نشر مبادئ حقوق الإنسان العالمية. هذه المبادئ التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولقد عكست هذه المفاهيم ما يحدث في كل بلد عربي، لسبب بسيط وهو غياب الحرية والعدالة، ولذا فإن استغاثة الشعوب ببعضها البعض ليس أمراً غريباً ولا مستبعداً لأي فرد عربي يريد أن يدعم غزة التي تفتقد العدالة كلياً، والإنصاف الدولي أيضاً دون أية اعتبارات أخرى.
هذا الكلام يعكس تلك الروح السائدة لما قام به ثلاثة أطباء بحرينيين (نبيل تمام، طه الدرازي وعارف رجب) ودخولهم مع الأطباء المصريين (50 طبيباً) إلى خان يونس جنوبي قطاع غزة، مساء أمس الأول (الجمعة 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، وذلك تمهيداً للبدء في علاج الجرحى والمصابين جراء العدوان الإسرائيلي الذي تعرّض له القطاع خلال الأيام الماضية.
وهي ليست المرة الأولى لهذا الفريق البحريني، فقد سبق مشاركة أطباء بحرينيين على المستوى الأهلي في معالجة جرحى غزة في العام 2008 لكل من الطبيبين علي العكري ونبيل تمام.
أطباء البحرين الثلاثة التقوا بوزير الصحة الفلسطيني، قبل أن يصلوا إلى مقر الهلال الأحمر الفلسطيني في خان يونس. هذا ولم تتحدد المدة التي سيقضيها الأطباء الثلاثة، إذ يعتمد ذلك على الظروف الأمنية، ومدى الحاجة إليهم داخل القطاع. وهو ما يأتي أيضاً ضمن إطار المجموعات التي قدمت من قبل منظمة «أطباء بلا حدود» الذين تمكّنوا في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني من دخول غزة استجابة للطوارئ.
هؤلاء الأطباء الثلاثة الذين يُلاحَقُون يلاحقون في بلادهم كضريبة لمعالجتهم جرحى وقعوا أثناء الاحتجاجات، وهم من خيرة أبناء البحرين المخلصين، وكغيرهم من أصحاب المهن الإنسانية التي تمتلئ في عالمنا العربي، يحلمون بغدٍ إنساني أفضل تنتشر فيه العدالة لجميع البشر، تماماً مثل ما تحلم الشعوب العربية في زمن الربيع العربي.
إن أهل غزة كما هي شعوب المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، جمعيهم يبحث عن لغة واحدة، وحراك إنساني واحد، يضم جميع أطياف المجتمعات العربية. ان شعوب المنطقة تناضل من أجل عدالة حقيقية لتنتشر في كل بلد عربي تتناصر وتقف مع بعضها البعض ضد الاستبداد والظلم.