يوم الجمعة المقبل 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 يصادف مناسبتين
متقاربتين، الأولى هي اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، والمناسبة
الثانية هي الذكرى الأولى لإصدار تقرير تقصّي الحقائق (تقرير بسيوني).
المناسبة
الأولى تعنى باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، وهو يوم اختير
لتصدي ومنع جرائم قتل الصحافيين والاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال إذ تم
اختيار هذا التاريخ تكريماً لذكرى الصحافيين الذين قُتلوا في العام 2009 في
«مذبحة امباتوان» في الفلبين.
ويتّحد الصحافيون ونقابتهم ومنظمات
حقوق الإنسان وحرية الصحافة ووكالات الأمم المتحدة جميعاً في إعلان موقف
عالمي رافض لإفلات القتلة من العقاب وإنهاء الحصانة التي يتمتعون بها.
ويحشد الاتحاد الدولي للصحافيين جميع أعضائه للكتابة إلى أمين عام الأمم
المتحدة، بان كي مون، وحثه على النظر في اتخاذ إجراءات جذرية نحو تنفيذ
صادق للأحكام القانونية الدولية لحماية الصحافيين من قبل الحكومات في أنحاء
العالم كافة.
وهذا التعريف والتقديم لليوم العالمي لإنهاء الإفلات
من العقاب هو ما ينشره الاتحاد الدولي للصحافيين كجزء من الحملة العالمية
التي تسعى لتنفيذ حكم القانون المعتمد على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان وللوقوف أمام استهتار أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم انتهاك
الحقوق واضطهاد الناس والإفلات من العقاب في الوقت ذاته.
إن الضمير
العالمي يتجه نحو وضع حدٍّ للإفلات من العقاب؛ لأن ثقافة الإفلات من العقاب
هي التي تُمكّن بعض الجهات من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق
الناس لاعتقادهم أن بإمكانهم الادعاء بخصوصيتهم أو أن لديهم مبررات لممارسة
انتهاكاتهم سواء بذريعة الحفاظ على الأمن أو لاعتقادهم بأفكار عنصرية
تدفعهم لاحتقار الآخرين واضطهادهم.
أمّا المناسبة الثانية فهي الذكرى
الأولى لإصدار تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق؛ وهو
التقرير الذي أشرف على إعداده خمسة من كبار الخبراء في القانون الدولي
برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني. وكان إصدار هذا التقرير قد اعتُبر
عالميّاً بأنه خطوة متقدمة تُحسب للبحرين وأيّدها الجميع باعتبارها مدخلاً
لتنفيذ مجموعة من الخطوات التصحيحية لما حدث من انتهاكات بعد انفجار
الأحداث في البحرين في منتصف فبراير/ شباط 2011.
لقد أوصى تقرير
تقصّي الحقائق بتنفيذ 26 توصية لمعالجة ما حدث من انتهاكات في البحرينن في
العام 2011، ولفتح الطريق أمام مصالحة وطنية وإصلاحات تلمُّ شمل الجميع.
ولكن ما يؤسف له أن المراقبين المتابعين لما حدث منذ إشهار هذا التقرير
وحتى الوقت الراهن يرون أن ما تحقق على أرض الواقع قليل جداً، بل إن مشروع
الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) يقول بأنه تم تنفيذ ثلاث توصيات فقط
من توصيات لجنة تقصّي الحقائق، وخمس عشرة توصية نُفذت بصورة جزئية وست
توصيات لم تُنفَّذ وإن هناك توصيتين ليس معلوماً فيما إذا كانتا نُفذتا
بصورة جزئية أم لم تُنفذا. والتوصيات التي نُفذت بالكامل هي تغيير صلاحيات
جهاز الأمن الوطني واقتصارها فقط على رصد المعلومات (من دون أن تكون للجهاز
صلاحيات الاعتقال والتي تختص بها وزارة الداخلية)، وأيضاً تنفيذ برامج
تدريبية لقوات الأمن العام، وتدريب القضاة ومسئولي النيابة العامة.
ولكن
تبقى بقية التوصيات من دون تنفيذ بل إن هناك عودة لممارسات أدانها التقرير
(مثل استخدام حملات منظمة ضد فئات من المجتمع ولإثارة الكراهية ضد
المعارضين)، بل وهناك انتهاكات جديدة أضيفت إلى سلسلة الانتهاكات التي
ذكرها تقرير تقصّي الحقائق، من بينها إسقاط الجنسية بصورة تعسفية عن
البحرينيين، ومنعهم من التعبير عن رأيهم من خلال المسيرات السلمية المرخصة،
وكل ذلك عبر قرارات إدارية مخالفة للقانون ومخالفة للإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ومخالفة للاتفاقيات الدولية الملزمة مثل العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية.
إن الالتفاف على التوصيات والتحدث كما لو
كانت قد طُبِّقت بالكامل لن يغير من المشهد البحريني الحالي كثيراً، فهناك
جملة من المعوقات الأساسية التي تحول دون تطبيق هذه التوصيات بشكل مُرضٍ،
بل إن الإجراءات الأخيرة أعلنت مرحلة جديدة يغيب فيها مفهوم حكم القانون.
كما إن التشريعات في البحرين لا ترتب الأولويات بشكل جيد حيث تعطى الأولوية
للمسائل الهامشية على حساب القضايا الأساسية إضافة إلى أن الشرطة كجهاز
مهم يمس عمله حياة المواطنين إلا أن تكوينه تنقصه التعددية ولا يمثل كافة
شرائح الشعب البحريني.
لقد أنهينا العام 2011 بإصدار تقرير تقصّي
الحقائق، وهو التقرير الذي سعى إلى التوصل إلى توافق حول ما جرى وحول كيفية
الخروج من الأزمة وعدم تكرارها، وقد تم التعاقد مع كبار الشخصيات الدولية
للقيام بهذه المهمة، وقد أصدر هؤلاء تقريراً تاريخيّاً يتكون من 600 صفحة
في نسخته العربية، وكان المفترض أن تخرج البحرين من المأزق الذي دخلت فيه،
وأن يكون هذا التقرير خطة عمل للجميع، بدلاً من اعتباره أوراقاً مصفوفة على
الرف يتم التغني بها حسب الحاجة، ولكن من دون الاعتبار بما جاء فيها.