يقال إن أنجح اجتماعات للوزراء العرب هي اجتماعات وزراء الداخلية، فمع
كل الفشل الذي تعانيه دولنا العربية في تحقيق الأمن الإنساني والتنمية
المستدامة لمواطنيها، فإنها ناجحة، كما يبدو، أمنياً في «إبقاء» مواطنيها
تحت السيطرة.
تلك المقولة داخلها شك كبير بعد سقوط «الدكتاتور
النموذج» في تونس، فهو صاحب دليل «كيف تحكم قمعياً وتبدو غير ذلك؟»،
وبتطبيق تلك المنظومة حق له أن يتربع على عرشه سنين طوالاً ويسوم شعبه سوء
العذاب، ومع ذلك كان أول من هرب لاجئاً إلى السعودية، فاتضح أنه نموذج
للفشل الأمني حتى لو بدا ظاهرياً خلاف ذلك.
في بحثها عن الأمن، قامت
دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً بإبرام اتفاقية أمنية، لم يتم نشرها حتى
الآن، ما يجعلنا نطرح جملة تساؤلات مشروعة، تستند إلى النسخة الأولى من
الاتفاقية 1993 وانضمت لها خمس دول باستثناء الكويت لتعارضها مع الدستور
الكويتي، وبالذات بسبب موضوعي التوغل، وتسليم المطلوبين.
اتفاقية
1993، التي قيل إنها اعتمدت كأساس، لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان، فالناس
المذكورون والمطلوب حماية أمنهم بحسب المادة 30 هم «رؤساء الدول الأعضاء
وأصولهم وفروعهم وزوجاتهم… وأولياء العهد وأفراد الأسر المالكة والحاكمة
والوزراء ومن في حكمهم».
قد نستثني من الفئات العشر المبشرة بالحماية
أعلاه رؤساء الدول، فلهم حق التوجيب والاحترام، ولكن ما بالنا بالفئات
التسع الأخرى؟ ولماذا يتم التوسع في حماية أمنهم الشخصي واعتباره أمناً
للدولة؟ بالطبع هناك الكثير من الملاحظات الفنية التي سنفصل فيها لاحقاً
ونأمل، إن كان هناك أملٌ يُرجى، أن تكون الاتفاقية الجديدة التي قيل إنه تم
تعديلها قد جرت فيها تعديلاتٌ أساسيةٌ على الديباجة الضعيفة وعلى قرابة 17
مادة أخرى.
أما إن ظلت الاتفاقية على ما هي عليه فهذا يعني أنها
مخالفة جسيمة تتحمل وزرها حكومة الكويت لمخالفتها بنوداً دستورية، وكذلك
كونها تكرّس انتهاكات حقوق الإنسان، في منطقة تعج بتلك الانتهاكات.
خلاصة
القول إن دول الخليج، إن كانت تبحث عن الأمن وهو ما نرغب فيه، فهو هم
مشترك، فإنها لن تصل إلى مبتغاها عن طريق الاتفاقيات، ولكن بتدعيم العدالة
والمساواة وتكافؤ الفرص واستقلال القضاء واحترام كرامة الإنسان وتعزيز
الحريات الخاصة والعامة على أرضها لأي جنس أو دين أو ملة أو جنسية أو معتقد
أو لون، فهذا هو الطريق السهل المعبد للأمن، عدا ذلك فهو حرث في بحر ليس
إلا.