في الفترة الأخيرة عادت بعض التصريحات تتحدث عن حقوق الإنسان بصفتها
منظومة غريبة عن «خصوصية» منطقتنا، وأن هذه الحقوق تستخدم من قبل دول كبرى
كنوع من الاستعمار الجديد. هذا الحديث ليس صحيحاً، وذلك لعدة أسباب؛ فمن
ناحية أساسية فإن جميع الدول الأعضاء قد توصلت إلى قرار مشترك في المؤتمر
العالمي لحقوق الإنسان الذي نظمته الأمم المتحدة في فيينا العام 1993 وهذا
القرار المشترك نص على «عالمية» حقوق الإنسان. وهذه العالمية تعني أن
الحقوق المستوجبة لأي إنسان متساوية مهما اختلف مكان هذا الإنسان أو لونه
أو أصله أو عرقه أو مذهبه.
ومفهوم «العالمية» مهم؛ لأن كل بشر له
كرامة وحقوق أساسية لا يمكن التنازل عنها تحت أي عذر كان. كما أنه لا يمكن
لأي دولة، مثلاً، أن تقوم بتعذيب أي شخص، سواء كان من مواطنيها، أم أجنبياً
يعيش داخل أراضيها. فأي ثقافة تقول إن لها خصوصية تسمح بتعذيب الآخرين
تُعتبر غير إنسانية. ولهذا السبب فإن الأمم المتحدة عندما أصلحت أجهزتها
قبل عدة سنوات استُحدث الاستعراض الدوري الشامل (UPR) للملف الحقوقي لكل
دولة من دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة.
ثم
إن قضايا حقوق الإنسان ليست حكراً بيد أية دولة كبرى، بل إن منظمات حقوق
الإنسان والصحافة الحرة تستهدف هذه الدول الكبرى وتفضحها باستمرار. فالذي
فضح ما كان يحدث في سجن أبو غريب، وغوانتنامو، والسجون الطائرة، وغيرها
إنما كانت الصحافة الدولية والمنظمات الحقوقية. وعليه، فإذا كانت حقوق
الإنسان «استعماراً» فإن من يقول هذا الأمر يفترض بأن الحركة الحقوقية
العالمية لها قوة أعلى من الدول الكبرى، وهذا قول يحتاج إلى إثبات عقلاني.
لقد
اعتمد دستور البحرين الطابع «العالمي» لحقوق الإنسان، تماماً كما ورد في
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصادقت البحرين على العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية (بحكم القانون رقم 56 لسنة 2006) وأصبحت أحكام
هذا العهد واجبة التنفيذ محلياً، ونحن لسنا ملزمين بالمعاهدات الدولية
فحسب، وإنما أيضاً بالالتزامات التي تعلنها الحكومة أمام لجنة بسيوني وأمام
مجلس حقوق الإنسان في جنيف. إن الالتزام بتنفيذ هذه الوعود ليس خضوعاً
لاستعمار، وإنما تثبيتاً لمكانة الدولة أمام المجتمع الدولي، وهذا سيكون
أفضل رد على من يقول بأن التوجه الرسمي الحالي يتمثل في تضييع الوقت وتأخير
المصالحة وذلك من أجل تجنب الإصلاحات السياسية الملحة.