انطلق الربيع العربي بجهود شبابية قررت ممارسة دورها رغم عنف
الديكتاتوريات في المنطقة العربية، كما قررت أن تمارس هذا الدور عن طريق
«اللاعنف»، وهذه هي فلسفة النجاح للشعوب الساعية لتحقيق كرامتها والحصول
على حقوقها.
ولذا فإن أية محاولة لحرف مسار الربيع العربي عبر تجييره
لخدمة أجندات لا تؤمن بالديمقراطية، أو لإخضاعه لوسائل العنف والدمار،
فإنها واقعاً لا تنتمي للصحوة العربية الحالية.
من هنا، لابد من
ضرورة إتاحة الساحة السياسية للجماعات المعارضة والشباب والنساء عبر انتقال
السلطة إلى المؤسسات المنتخبة بإرادة شعبية خالصة، وهو ما يعوّل عليه شارع
الربيع العربي. وهذا لا يتم إلا من خلال استمرار نضال «اللاعنف» الذي يدعو
إلى تحقيق معايير تفعيل وإرساء العمل الديمقراطي ومؤسساته الشرعية، دعم
الحريات العامة والصحافية وحمايتها، استقلال القضاء، وعدم التدخل العسكري
في الشئون المدنية.
وتأتي «وثيقة اللاعنف» التي أصدرتها المعارضة
البحرينية (وعد، الوفاق، المنبر التقدمي، التجمع القومي، الإخاء الوطني،
والوحدوي) في (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) لتؤكد على مركزية فلسفة
«اللاعنف» في الحراك البحريني الوطني، وعدم انتهاجها في سلوكها لأيٍّ من
أساليب العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات الديمقراطية، معبّرةً عن
إدانتها للعنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه.
لقد جاء هذا الإعلان
ليمثل مبادئ المعارضة البحرينية ومنذ تأسيس كياناتها السياسية في المجتمع
البحريني، باعتبار أن السلمية هي النهج الاستراتيجي في عملها السياسي
سلوكاً وممارسةً، لتحقيق المطالب الوطنية من خلال المشاركة الحقيقية في
صياغة القرار السياسي ورسم مستقبل البلاد في الحرية والديمقراطية والعدالة
الاجتماعية والمواطنة المتساوية والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي.
إن
الحراك السياسي والمجتمعي في البحرين له تاريخٌ عريقٌ يمتد قرابة قرنٍ من
الزمان. وما يحدث اليوم في الساحة البحرينية ما هو إلا امتداد لحراك الأمس
وانطلاقاً من الحرية الكاملة المكفولة إنسانياً ودولياً، ووفق المبادئ
الدستورية المتعارف عليها، في تحقيق المطالب السياسية والاجتماعية
والاقتصادية عبر انتهاج الحراك السلمي الحضاري والتمسك بالوحدة الوطنية
اللتين درجت عليهما نضالات الشعب البحريني عبر مراحل تاريخية تعود إلى
عشرينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة.
وهو ما ركزت عليه وثيقة
المعارضة البحرين وما نتج عنه هذا الحراك في مراحل سابقة «وبواسطتهما حقّقت
الاستقلال السياسي وأنتجت أول دستور وبرلمان للبلاد، نطلق نحن الموقّعون
على هذا الاعلان، مبادئ نؤمن ونلتزم بها، ونحفز الآخرين على الأخذ بها
لتكون الإطار الجامع لجميع قوى المجتمع ومكوناته مهما بلغت درجة خلافاتهم
في الرؤى والمواقف، ليبقى الإطار الوطني الجامع هو الانتماء الوطني النابع
من القيم السماوية والإنسانية التي لا تتجزأ ولا تتعارض ولا تصادر».
وتؤكد
الوثيقة أن «من حق الأفراد والمجتمعات اتخاذ كل الوسائل السلمية من حرية
تعبير وتجمع وتنظيم للمطالبة بهذه الحقوق الأساسية، ولا يجوز لأحدٍ معارضة
ذلك فضلاً عن منعهم خصوصاً بالقوة». وتضيف: «واضعين في اعتبارنا أننا نحن
اليوم بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى، وبعمل وطني جماعي من جميع الأطراف
ومن كل المستويات، لترسيخ ثقافة اللاعنف وانتهاج أسلوب الحوار والقبول
بالرأي الآخر والتعددية في الآراء».
من هنا لابد من الإشارة إلى أن
الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية هي جزء لا يتجزأ من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،
وبالتالي فإن انتهاكها معناه أن العنف وسيلةٌ لإخماد صوت الشارع، ولكن
إخماده في وقتنا الراهن أصبح مكلفاً للغاية، لأن ربيع الشباب العربي أصبح
مفتوحاً ومتداولاً أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لا يمكن له أن
يتجاهل ما يحدث في كل ساحة عربية تبحث عن مطالب مشروعة بطريقة سلمية،
بعيداً عن لغة العنف وأساليبه. وهذا ما بدأ به الربيع العربي وسينتهي به في
حال سار على الدرب الذي حلم وطمح به كل شاب عربي.