نترك سرد الوصف السياسي والحقوقي للديمقراطيات المتبعة في كثرة من
الدول، سواء المتقدمة منها أو دول العالم الثالث، في نواحيه الغربية
والشرقية، الشمالية والجنوبية، نترك ذلك للمتخصصين في علوم السياسة
والاقتصاد والاجتماع والتاريخ لينشروه من باب الثقافة التي يتوجب أن يهتم
بها المواطن. ولكننا سنصف إجراءً توافقياً ديمقراطياً بحرينياً، يغطي
بإيجاز الجوانب التشريعية والرقابية والإدارية (التنفيذية)، ولنحقق أن الحل
يتوجب أن يكون بحرينياً، ولا مرد له لأية دولة لا إقليمياً ولا دولياً ولا
حتى أممياً، إحقاقاً لتوجهات الدولة كسلطات، والشعب بجميع مكوناته من
موالاة ومعارضة، في مناداتهم كلاً من زاويته ومنظوره بعدم الارتهان للخارج.
لكي
يأتي هذا الإجراء بحرينياً يتوجب أولاً أن يشترك في صياغته فقط جميع
مكونات شعب البحرين، والسلطات الحالية من ضمنه، بأفرادهم، لا كأجهزة
ووزارات وجيش وقوات أمن، الشعب بكامله أفراداً، بمن فيهم من اكتسب الجنسية
عبر القانون الحقوقي، بالعيش على أرض الوطن 25 عاماً للأجنبي و15 عاماً
للعربي، ورغب في اكتساب الجنسية، ويكون قد قدم خدمات جليلة مميزة للبحرين،
وانسجم والسيكولوجية الحضارية والثقافية والاجتماعية البحرينية، (ومستثنى
أولئك المجنسون سياسياً…). هذه المكونات الشعبية في جهة، والمؤسسة
الملكية في جهة أخرى، هذه هي مكونات الشعب المستحقة أن تدير الوطن.
ولنا
في المبتدأ أن نتقبل مبدأ النظام السياسي في المملكة الدستورية، التي
تحكمها حالياً نصوص دستورية وقانونية، إلا أن النظام الدستوري والقانوني
الحالي في البحرين قد تنقصه بعض النصوص وقد يحتاج بعضها للمراجعة والتطوير،
ولكن حتماً ينقصها التفعيل الأمين.
ولكي تتهيأ الأرضية الصلبة،
لتوافق الشعب البحريني مع المؤسسة الملكية البحرينية، كطرفين قائمين، على
تفاصيل النظام السياسي المتوجب أن يحكم العلاقة بينهما والتوافق على مؤسسات
السلطات الأخرى من تشريعية ورقابية وتنفيذية وقضائية، لإدارة علاقات
السلطات والأفراد، وإدارة الثروة الوطنية، فلابد من إعادة تشكيل هذه
السلطات، وبعض الأجهزة كجهاز الإعلام، ولابد من تغيير بعض الأفكار
المستحوذة على عقول الأطراف ووجدانهم، أهمها أن الوطن يملكه أبناؤه
تساوياً، وأن جميع العوائل بأفرادها هم مواطنون بلا استثناء، وأن البحرين
وطن مشوه الولادة الحديثة في مواطنيه، وبالتالي ضرورة التصحيح باعتماد كل
من انتمى إليه بالمواطنة بالولادة، لما يعود إلى تاريخ 1 يناير/ كانون
الثاني 1968 وما سبق ذلك، فهو مواطن، ونسله كذلك، وكل من لا تمتد جذوره
لبدء تلك النشأة، أو اكتسب الجنسية بعدها بما ينتقص انتماؤه أو أصله، فهو
مؤجل البث في أمره حقوقياً من دون ضيم إنساني، ولكن لا يحق له المشاركة، في
تأسيس نظام البحرين السياسي الجديد. واعتمدنا هذا التاريخ لارتباطه ببداية
التداول في استقلال البحرين وانسحاب آخر أطراف الاستعمار.
ومن حيث
إن تلك الفترة وما قبلها لغاية يومنا هذا، أفرزت أن هناك حكماً للبلاد، فقد
اكتسب الشرعية التي لا خلاف عليها، إلا فيما يأتي به النظام السياسي
الجديد من سلطات له وصلاحيات. وتبدأ ترتيبات التوافق الوطني البحريني
المنشود، فلا أقل من الإقرار، بكل ما بدر من السلطات، قبلاً ولاحقاً لغاية
اليوم، فيما أسيئ للوطن، وللمواطنين في بعضهم وفي أفرادهم، جراء السياسات
السابقة والحالية، وإعلان النية الجادة الصادقة، لمعالجة الوضع بما يتم
التوافق عليه جراء الحوار الوطني الذي أساسه الثوابت الوطنية التي لا جدل
فيها، في الاستقلال، وأن الشعب مصدر السلطات، ينتخب ويراقب ويحاسب سلطاته
الثلاث، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد الشعب، بما في ذلك
الحق السياسي، والصوت الانتخابي المتساوي، متمثلاً في الصوت المتكافئ لكل
فرد من دون توكيل، ومبدأ الحرية والكرامة الإنسانية، وحرية الرأي والتعبير،
التي تقف عند المس بسمعة وكرامة وحرية الأفراد والمؤسسات، والحق العام
لخلق مؤسسات المجتمع المدني، وفصل الدين عن السياسة، فلكل منهما مساحاته،
وعدالة توزيع الثروة، ونبذ التمييز واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة في
الخدمات ما بين القرية والمدينة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي،
واسترجاع الأملاك العامة، من كل من تعدى عليها، مع عدم جواز تملك الأفراد
والشركات، لمساحات شاسعة من الأراضي والجزر والشواطئ، العامة، ولا يمنع ذلك
جواز الاستثمار فيها لصالح الخزينة العامة، ومن دون تملكها.
وليتبعها
تبييض المعتقلات السياسية، سواء من ارتبطت تهمه السياسية بالجنح والجنايات
أو دونها، وتعويض أهالي من قضى نحبه، وأيضاً تعويض كل المعتقلين المطلق
سراحهم، وكذلك كل من تم تعذيبه ونال من المعاملة المهينة من قبل أجهزة
السلطات، وكل هذه الحالات موثقة بغض النظر عن أحكامها، ولا ننسى حتمية عودة
جميع المفصولين إلى أعمالهم، وإرجاع من تغيرت وظائفهم إلى أصل ما كانوا
فيه، وتعويضهم بدفع رواتبهم بأثر رجعي بدءاً من تاريخ الأثر. وكذلك
المتضررون من رجال الأمن، ممن أدّوا واجب الوظيفة، وتستمر تلك التعويضات
بدءاً من تاريخ الأثر، ولغاية البث في موضوعهم، والإعلان عن النية الصادقة
لمحاسبة كل من تعدى على حقوق الإنسان وأفرط في استخدام القوة، وكل من تجاوز
حدود القانون وتجاوز صلاحيات السلطة، ما يلبي رجوع الأوضاع إلى أصلها إبان
التصويت على الميثاق، لتكون نقطة الانطلاق. كل ذلك لقاء التوقف الفوري عن
ممارسة العنف في صفتيه الرسمية والشعبية، ليتسنى للمجتمع فرز أولئك
الممارسين عبر الاعتقاد الفكري، للعنف المبادر، من دون تفريق ما بينهم في
انتمائهم للسلطات ولأفراد من الشعب، وبالتالي عزلهم مجتمعياً.
لتبدأ
البحرين سباقة بتفردها عالمياً، وتكون أسوةً للعالم، في حل معضلاتها
الداخلية محلياً، من خلال ما ذكرناه وما سنتلوه، وهذا كله لا ينفي تاريخ
البحرين، قديمه وحديثه، ولا يفصل البحرين عن التجارب والتطورات الإنسانية،
وإنما يخلق لنا بداية انطلاق وطنية ممزوجة بما أنتجه الإرث الإنساني من
حداثة، ليتمكن شعب البحرين وحكمُهُ من صياغة نظامه السياسي الجديد، ومن
بعده تكون أحكام سلطاته، مُراجِعَة ومُحاسِبَة لأحداث وأطراف الأزمة.
وإني
سأفترض للتوافق، إبراز تاريخ 15 أغسطس/ آب 1971، تاريخ إعلان الاستقلال،
من بعد الإجماع الشعبي والأميري على عروبة واستقلال البحرين، لنبدأ من
هناك، في صياغة النظام السياسي الجديد، فتكون لدينا تجربة ومعطيات دستور
ومجلس تأسيسي، ومجلس شعب 1973، وتجربة ومعطيات الفترة اللاحقة، بدءاً من حل
مجلس الشعب في 15 أغسطس 1975، ولغاية 14 فبراير/ شباط 2001، يوم التصويت
على الميثاق، ثم العشر سنوات التي تلته، لتبدأ آخر المراحل في 14 فبراير
2011 ولغاية اليوم، لنستقي العبرة ممّا آل إليه الوضع البحريني في جميع
أوجهه، ونتبين دروب الإصلاح في شتى مجالاته.
وليأتي وجوب تشكيل
السلطات بناء على التوافق ما بين الشعب في ممثليه وبين المؤسسة الملكية، من
بعد التوافق بينهما على صياغة دستور جديد للمملكة الدستورية، عبر مراجعة
لدستوري 1973 و2002 من خلال مجلس تأسيسي أو مجلس لتنقيح الدستور، ويحدد هذا
الدستور العلاقة بين سلطات الحكم وسلطات الشعب، ومعيار تشكيل السلطات
التشريعية والقضائية والتنفيذية، والأجهزة التابعة لكل منها وبناء على روح
نصوص الدستور الجديد، الذي لابد أن يجعل تشكيل السلطات عبر الانتخاب
الشعبي، المتكافئ الصوت الانتخابي بحيث ينتخب كل مواطن إما العدد المطلوب
لكل سلطة، إنفاذاً للتمثيل الجمعي، وإما انتخاب عشر (1/10)؛ (10 في المئة)
من العدد المطلوب من بين المترشحين، تحقيقاً للتمثيل النسبي المتوازن، ويحق
له أن يحجب صوته عن بعضهم، لتأتي السلطات ممثلة واقعياً وحقوقياً، لإرادة
الشعب مصدر السلطات جميعها.
ومبدأ الفصل بين مهمات السلطات لا بينها،
مع تكاملها وتواصلها لخدمة الوطن، يوجب أن تقوم كل سلطة بمهمات محددة في
الدستور، بحيث لا تتدخل السلطة التشريعية والرقابية في تنفيذ القوانين
والخدمات، المنوطة أولاها بالسلطة القضائية وثانيتها بالسلطة التنفيذية،
ولا تتداخل مهمات الحكومة ولا المجلس التشريعي بمهمات المجالس المحلية من
مجالس بلدية ومحافظات، والتي يتوجب أن تكون مجالس منتخبة مهماتها مراقبة
الحكومة في عدالة توزيع جميع الخدمات من إسكانية وبلدية وتعليمية ومعيشية
وأمنية، على محافظات البحرين الخمس تساوياً أو بحسب الكفاية.
ولنصل
إلى مثل هذا التوافق، يتوجب على الجميع اعتماد معيار المواطنة، في الحقوق
والواجبات، والتي تجمع الأديان والطوائف في وطن للجميع، من دون مفاضلة لهذا
ولا تمييز ضد ذاك. فهل صعب على البحرين، حكماً وشعباً، خلق وطن يساوي بين
مواطنيه، لتكون سبّاقة؟