العنوان أعلاه كان عنواناً لندوة أقيمت في جمعية المنبر التقدمي
الديمقراطي بداية هذا الأسبوع، تحدث فيها المحامي حميد الملا وابن الشهيد
عيسى عبدالحسن ووالد الشهيد علي نعمة.
ما لفت النظر في الندوة،
إضافةً للتجاوزات والقصص التي ذكرها المنتدِيان؛ كان حديث والد علي نعمة
وسرده لتفاصيل فقد ابنه، حيث أكد أن ابنه قُتِل بعد أن كان ذاهباً
للاطمئنان إلى أن المكان آمن للتظاهر السلمي أم لا، لكنه حين رأى الشرطي
فرّ هارباً صارخاً أن هناك رجال شرطة في الممر، وما كان من أحدهم إلا أن
أطلق عليه الشوزن من مسافة قصيرة فأصاب ظهره، وحين قام الطفل بصعوبة بعد
الإصابة أطلق الشوزن عليه للمرة الثانية في الظهر ليبلغ عدد الشظايا التي
اخترقت جسده الضعيف 104 شظايا.
يبدو الأمر، على صعوبته، عاديّاً لمن
اعتاد سماع مثل هذه الحكايات؛ لكن ما حدث بعد ذلك يدعو إلى التساؤل عن كل
تلك التجاوزات التي حدثت بعد القتل، فإن صدقنا أن القتل كان دفاعاً عن
النفس على رغم تأكيد والد الضحية ومن معه أن الطفل لم يكن يحمل سلاحاً أو
مولوتوفاً كما ادعت الجهات الرسمية، وعلى رغم وجود الإصابة في الظهر التي
تبين أنه كان هارباً ولم يكن مواجِهاً، فماذا عن بقية التجاوزات التي سردها
والد القتيل.
يقول نعمة: «سحب ابني على الإسفلت حتى وصلوا به إلى
الشارع العام حيث مركبات الشرطة، لكنهم قبل سحبه أشبعوه ركلاً وضرباً،
ليفقد الأمل في نجاته بعد كل ذلك الضرب، ويؤكد نعمة أنهم لم يخبروا عائلته
عن مصيره بعد أن تجمعوا للسؤال عن حالته الصحية ووضعه القانوني، بل إنهم
ألقوا على ابنه قنبلة صوتية حين اقترب منهم متسائلاً عن مكان وجود ابنه
ليراه، حتى مع علمهم بأنه والده، وبعد انتظار طويل أخبره أحدهم بأن ابنه
بخير وأنهم بانتظار الإسعاف الذي وصل بعد 37 دقيقة ليحمله إلى مستشفى
السلمانية حيث يمكنهم تسلمه من هناك من دون الحاجة إلى التحفظ عليه أو
التحقيق معه، كما أكد له أحد رجال الأمن!
الإسعاف لم ينقل القتيل كما
أكّد والده، بل بقي على الأرض وسط انتظار الجميع لمعرفة مصيره وكذب أحد
المتواجدين من رجال الأمن الذي أكد أن الطفل قد دخل في سيارة الإسعاف وأنه
في طريقه للمستشفى، لكن عمته لحقت بهم فأخبروها أنه ليس في السيارة وأنه
متوفى على الأسفلت.
التجاوزات التي حدثت من ضرب وسحب على الإسفلت
وإلقاء القنبلة الصوتية والكذب والاعتداء اللفظي على عائلة القتيل، ألا
تستحق تحقيقاً مستقلاً، للتحقق من وقوعها وما يترتب على ذلك من معاقبة
مرتكبيها، إضافة إلى الحادثة الأهم وهي القتل العمد الذي اعتبرته الجهات
المعنية قتلاً للدفاع عن النفس؟
لقد أكد جمهور تلك الندوة ضرورة وجود
قضاء مستقل نزيه يضمن لكل ذي حق حقه، بعد أن استمعوا لشهادة عوائل
الضحايا، ولكثير من المواقف التي سردها المحامي الملا عن مذنبين أفلتوا من
العقاب. أراد الجمهور كما غيرهم من أبناء هذا الشعب قضاءً مستقلاً ليكون
ضماناً للجميع لأن يتقدموا بشكاوى ضد كل الاعتداءات التي وقعت عليهم،
وليشعروا بأنهم مواطنون حقيقيون وليسوا مجرد أرقام في سجلات الإحصاء لا
حقوق لهم في حفظ كرامتهم وإنسانيتهم وأمنهم.
ومازالت ملفات الشكاوى
في قضايا التعذيب والقتل عالقة؛ بعضها لم يفتح بعد، ولا يعرف أصحابها إلى
أين وصلت… لأن الوقت يبدو لايزال مبكراً على معرفة الحقائق.