لا تخفى على أحد حالة الترقب العربية وحتى الخوف أحياناً من المتغيرات
التي قد تطرأ مع كل إدارة أميركية جديدة تظهر بعد إعلان نتيجة انتخابات
الرئاسة الأميركية التي تتابع عن كثب في كل بلد يريد أن يعرف من سيكون
الرئيس الأميركي القادم لأقوى دولة حاليّاً في العالم.
وبلا شك؛ فإن
التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، إثر ثورات الربيع العربي نفسها؛
تفرض نفسها على أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية الأميركية، في ظل تأثير
التطورات والتغيرات التي تشهدها دول المنطقة على المصالح الأميركية. وقد
تزايد هذا التأثير مع اغتيال السفير الأميركي في ليبيا جون كريستوفر ستيفنز
على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة وحضور قضايا الشرق الأوسط في
المناظرات التليفزيونية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما الساعي إلى الفوز
بولاية ثانية ومنافسه الجمهوري ميت رومني.
ويرى مراقبون أميركيون أن
مشاكل الشرق الأوسط لن تنحل خلال الأعوام الأربعة المقبلة. ومن المحتمل أن
يزداد الوضع سوءًا قبل أن يتحسن. وبهذا يصبح السؤال الرئيسي الذي سيواجهه
الرئيس الأميركي القادم هو: إلى أي حد ينوي التخفيف من مشاكل المنطقة،
والمساعدة في توجيهها للخروج من أسوأ المسارات إلى أفضلها. لكن الملاحظ
انه أثناء الانتخابات التمهيدية؛ اتخذ كلا المرشحين مواقف متباينة جدّاً.
فثمة فجوة كبيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بالشرق الأوسط،
فالحزبان مختلفان حول السياسة المفترض انتهاجها في المنطقة.
وعن
الدول المتحولة إلى الديمقراطية، مثل: تونس ومصر وليبيا؛ فمن الضروري أن
تتضمن المعايير الأميركية دعم تلك الدول من خلال عدم التدخل العسكري في
الشئون المدنية، واستقلال القضاء، ودعم حرية الصحافة وحمايتها. أما في حالة
الأنظمة الملكية فيجب أن تركز هذه المعايير على إتاحة الساحة السياسية
للجماعات المعارضة، وعلى انتقال السلطة تدريجيّاً إلى المؤسسات المنتخبة
بإرادة الشعب، وهو ما أشار اليه الباحث شادي حميد في ورقته التي طرح فيها
بعض السياسات التي ينبغي على الرئيس الأميركي القادم انتهاجها إزاء الشرق
الأوسط، في الحلقة النقاشية التي عقدها مركز بروكينجز في (25 سبتمبر/ أيلول
2012) لبحث التحديات التي سيواجهها الرئيس القادم في منطقة الشرق الأوسط،
وكيفية التعامل معها، وجاءت الحلقة تحت عنوان: «الحملة الانتخابية للعام
2012: الصحوة العربية».
إن التحديات التي سيواجهها الرئيس الأميركي
الجديد في المنطقة؛ لا يمكن تجاهلها، فهي بدأت تفرض نفسها على الساحة؛
ومنها كيفية استثمار الموارد بطريقة ترسي الديمقراطية والاستقرار في
المنطقة بما يخدم المصالح الأميركية، وتبني حوار مفتوح وواسع مع جميع
الأصوات الثائرة في المجتمع العربي من دون انتقائية، التوفيق بين القضايا
المتعلقة بالمشكلات الأمنية في المنطقة من ناحية، والديمقراطية والإصلاح من
ناحية أخرى، إضافة الى أهمية الحفاظ على الحوار مع الجماعات السياسية ذات
المرجعية الدينية؛ لأن الفشل في الحفاظ على الحوار من الممكن أن يضر
بالمصالح الأميركية؛ لأن هذه الجماعات ستظل جزءًا مهمًّا من المشهد السياسي
العربي لفترة من الوقت، لأن النجاح الدائم للاسلاميين لا يعني أنهم سيبقون
للأبد؛ فالبيئة السياسية ستتطور وتتغير لأنها ستخلق بيئة تنافسية تعددية.
تلك
هي التحديات المصاحبة لمرحلة ما بعد الربيع العربي، وتحديداً في مرحلة
الصحوة العربية، على رغم أن المنطقة العربية من خليجها إلى محيطها من أكثر
المناطق التي تراعي فيها الولايات المتحدة الأميركية إبقاء ما يسير مصالحها
وعلى رغم هبوب رياح التغيير في مطلع العام 2011، ولذلك فإنه في عشية
انتخابات الرئاسة الأميركية تنتاب الأنظمة العربية المنشغلة بقمع احتجاجات
ربيع الشوارع حالة من الترقب وخاصة وهم يشعرون بأمن من يبقيهم في السلطة
وهو ما يأتي ضمن حسابات ومعادلات خاصة تتبنى نظرية المصالح في مقابل قمع
الشعوب.
ما عاشته شعوب المنطقة العربية على مدى أربعين عاماً لم يكن،
حقيقة، «استقراراً» بالمفهوم السياسي الصحيح؛ لأنها كانت أربعين عاماً مرت
من الاستبداد السياسي واقصاء الآخر واستياء شبابي واحتكار اقتصادي في ظل
جو لا يخلو من الفساد بأنواعه وأشكاله… لذلك فانه من الضروري العمل مع
القاعدة الشعبية ودعم الاستقلالية الفردية وتكافؤ الفرص، وهذا لن يتم الا
من خلال دعم السياسات الجديدة في منطقة الربيع والصحوة العربية.