المنشور

«نورانا» الحلم المفقود

أرى ما يقال عن أن جيل الستينات والسبعينات من القرن الماضي هم الأكثر
حظاً في البحرين، صحيحاً تماماً، وأنا أراقب الأطفال يوم الجمعة الماضي
يلهون ويسبحون على الشواطئ المدفونة بالقرب من قراهم في مشروع «نورانا».

ففي
أقل تقدير فإن من ولد في الستينات والسبعينات، قد حظي بفرصة أن يرى الجمال
الطبيعي لجزر البحرين وكانت له الفرصة في طفولته أن يصطاد الطيور المهاجرة
بالفخاخ وأن يقطف بعض الثمار المحلية، كاللوز والكنار والباباي من الحقول
والمزارع المحيطة بالقرية، وأحيانا يمكنه الإغارة مع أصدقائه في غفلة على
«الحظور» القريبة من الساحل ليسرق بعض الأسماك الصغيرة، ومع ذلك لم يكن أحد
من أصحاب المزارع أو «الحظور» يغضب من ذلك، وإنما كانوا يغضون الطرف عن
هذه السرقات الصغيرة.

كانت المزارع ممتدة على مرمى البصر، ومياه
البحر تضرب بأمواجها حيطان البيوت في بعض القرى، قبل أن يستولي المتنفذون
الكبار على جميع المزارع ويحولونها إلى مبان شاهقة ويستولون على الشواطئ
ويسيجونها بحيطان لا يمكن للمواطن البسيط أن يجتازها لمجرد أن يرى البحر
الذي يحيط بدولته من جميع الجهات، ومع ذلك لا يمكن أن يراه أو أن يستمتع
بالسباحة فيه، أو حتى أن يشم رائحة الهواء المشبع برائحة ملحه وأمواجه،
فحسب تقرير لمنظمة «الفاو» فإن المتنفذين استولوا على 97 في المئة من شواطئ
البحرين ولم يبق للمواطنين غير 3 في المئة فقط.

ومثلما يشعر هذا
الجيل بالحسرة والألم وهو يرى أجزاء من وطنه تنهب يوما بعد يوم، فإنه يشعر
بالألم وهو يرى أطفال قرى كرانة وجنوسان وباربار وجدالحاج، وهم يسرقون
فرحتهم لفترة وجيزة على سواحل قراهم ويسبحون للمرة الأخيرة على شواطئ وطنهم
قبل أن تحاط بأسوار عالية يقف على أبوابها حراس يمنعونهم من الوصول لهذه
الشواطئ. فقد وجد بعض الأهالي في المنطقة المدفونة من البحر لمشروع
«نورانا» متنفساً لهم يستمتعون به أيام الجمع والعطل الرسمية.

مشروع
«نورانا» الذي يقع على مساحة مليوني متر مربع من الأراضي المدفونة في البحر
على شواطئ أربع قرى من المقرر أن يحتوي على مدينة نموذجية تتضمن مناطق
تجارية وسكنية ومقاهي ومطاعم ومنشآت ضيافة وتسلية وترفيه راقية، على بضع
خطوات من أفقر القرى في البحرين وأكثرها احتياجاً للبنى التحتية والخدمات.

مشروع
«نورانا» لم يكتفِ بالاستيلاء على شواطئ هذه القرى، وإنما استولى أيضا على
قطعة أرض مملوكة للديوان الملكي تبلغ مساحتها 16 هكتارا، وتتسع لقرابة 480
وحدة سكنية، خصصت لمشروع إسكاني للأهالي منذ العام 2004.

ورغم أن
المشروع لم يحصل على موافقة المجلس البلدي ويعتدي على الشواطئ والسواحل
والمنافذ البحرية ويدمر الصيد والثروة البحرية والبيئة، وينال من المشروعات
الإسكانية المخصصة للقرى المجاورة له، وهو مخالف للمخطط الهيكلي
الاستراتيجي للبحرين، لم يستطع أحد إيقافه، ليقطع جزءاً آخر من الوطن، يمنع
المواطنون من الدخول إليه أو حتى رؤيته.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية