يستشهد اقتصادي خليجي في مقالة له نشرت منذ أسابيع بتقرير حديث يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تصبح من الدول المصدرة للنفط قريباً، وأن مخزون الدول الغربية من النفط في ازدياد، إضافة إلى الأبحاث التي تهدف إلى تقليل استخدام الطاقة والبدائل المتاحة، وهذا ينذر بأن يكون العالم 2030 مختلفاً كلياً عن عالم اليوم في اعتماده على النفط، ولن تكون الأسعار والقدرة على التحكم فيها كما هما الآن، وحين يدور الحديث عن بلدان الخليج، فإن مخزون النفط في معظمها آيل إلى التناقص، ومع رجحان التذبذب في أسعار النفط، فإن دول المنطقة ستعاني عجوزات في ميزانيتها، أخذاً بعين الاعتبار أن بعض دول المنطقة تقدر ميزانياتها على أساس أن سعر برميل النفط هو 95 دولاراً .
ولأن الطابع الفتي هو السمة الغالبة على التركيبة السكانية لمجتمعات الخليج، حيث يبلغ الشباب نحو 60% من السكان، فإن الدول الخليجية تخفق في توفير الوظائف للأعداد الكبيرة من الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنوياً، أخذاً بعين الاعتبار ضعف مناهج التعليم وقصورها، وعجزها عن مواكبة التحولات الهيكلية في اقتصادات هذه البلدان . وحسب دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار فإن نسبة البطالة في صفوف الشباب ببعض دول الخليج وصلت إلى 30%، حيث لا يحصل شاب من بين كل أربعة شبان على فرصة عمل، وهذا مؤشر إلى التحديات التي تواجه دولنا الخليجية لا في الراهن فقط، وإنما في الأفق المنظور أيضاً، فضلاً عن غير المنظور .
كثيرة هي الدراسات التي كتبت عن النفط وآثاره، والتي ذهب بعض واضعيها إلى القول إن النفط، رغم أنه نعمة بما وفره ويوفره من مستوى معيشي مستقر وعالٍ في الكثير من الحالات، لكنه غالباً ما يتحول إلى نقمة، حين تشجع عائداته الدول النفطية على تجنب أو تأجيل الإصلاحات البنيوية المطلوبة في الهياكل الاقتصادية والبنى المجتمعية والإدارية، بينما تحجب العائدات الضخمة المشكلات الكثيرة والخطرة التي تعانيها اقتصادات هذه الدول، ويشير باحثون جادون في قضايا النفط وفي دراسات الاقتصاد السياسي، إلى أن بعض الدول المستفيدة من الفورة النفطية في مطلع السبعينات، أخفقت في الاستفادة من الزيادات المتعاظمة في عائدات النفط للتهيؤ لاستحقاقات المستقبل ما بعد نضوب النفط، أو تراجع أهميته إذا ما توافرت بدائل للطاقة غيره .
تُحذر مؤلفة كتاب »مخاطر الدولة النفطية«، الدول المعتمدة على الريع النفطي من تكرار نموذج إسبانيا في القرن السادس عشر، إذ شجعت الطفرات المعدنية نموذجاً تنموياً ريعياً، وأوجدت مصالح ترتبط بتكريس هذا النموذج، وحدثت هذه التحولات بسرعة، لكن سرعان ما أنفق القابضون الإسبان على السلطة، كنوز أمريكا التي كانوا قد اكتشفوها، ثم لجأوا إلى الاقتراض الخارجي، وهو مصير تظهر مقدماته اليوم في بعض الدول العربية المصدرة للنفط .
ليس عبثاً أن مؤلفة الكتاب من خلال دراسة تجارب دول نفطية أخرى في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، تصل إلى خلاصة قابلة للتطبيق على الدولة القائمة على الريع النفطي فحواها أن الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني يمكن أن تؤمن أفضليات واضحة للصمود بوجه الأزمات الاقتصادية، وتتيح ترتيبات للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بصورة أفضل، وتهيئ استعدادات أكثر كفاءة للمستقبل .