جميعنا يذكر المحاكمات التلفزيونية التي كان تلفزيون العائلة العربية
يبثها خلال فترة السلامة الوطنية، وما بعدها، حين كان مقدمو برامج معينة
وبتوجيهات من جهات معروفة يلعبون دور الشرطة والمحققين والنائب العام
والقاضي وجهة تنفيذ العقاب على من تتم محاكمتهم من ضيوف البرنامج.
في
تلك البرامج؛ تمت محاكمة العديد من أبناء الوطن، من مسئولين وأطباء
ورياضيين وصحافيين على الهواء مباشرة، وصدر الحكم ضدهم في نهاية البرنامج،
فتم إعفاء المسئولين من مناصبهم وطرد الرياضيين من نواديهم، كما تم إغلاق
صحيفة وطنية، في ظاهرة لم يشهد العالم مثيلاً لها.
البعض لم يخجل من
مثل هذه الممارسات البعيدة عن شرف مهنة الصحافة، وإنما طور الفكرة نفسها،
ولكن بدلاً من محاكمة أشخاص محددين؛ تتم الآن محاكمة تنظيمات وجمعيات
سياسية، إما لتشويه صورتها وأفكارها أمام الرأي العام، وإما للتحريض على
غلقها.
الكل يذكر كيف تم الإيقاع بالرئيس التنفيذي السابق لهيئة
تنظيم سوق العمل المرحوم علي رضي، وكيف تم التعامل معه في البرنامج بدناءة
غير معهودة حتى في أكثر وسائل الإعلام هبوطاً، وكيف تم إعفاؤه من منصبه بعد
ذلك البرنامج بأيام معدودة، لينزوي بعيداً عن العالم ويموت قهراً وكمداً
بعد أقل من عام.
ومثلما أصبح علي رضي، بطيبته التي يعرفها الجميع،
ضحية لهذا البرنامج حين كان يظن أن هناك فارقاً بين الإعلام المهني وغرف
التحقيق المظلمة، أظن أن القيادي في جبهة التحرير الوطني البحرانية والمنبر
التقدمي الديمقراطي يعقوب جناحي صدَّق بطيبته أيضاً أن الإعلام الرسمي
البحريني يمكن أن يكون منصفاً ولو لمرة واحدة، وأن دعوته لأحد البرامج إنما
كانت بهدف تسليط الضوء على تاريخ الحركة الوطنية في البحرين وهو ما تمت
مناقشته في الجزء الأول من البرنامج، وليس لمحاكمة جمعيات سياسية وتنظيمات
سرية سابقة، على الهواء مباشرة بهدف تشويه سمعتها وإثبات خطئها فيما اتخذته
من مواقف حيث كان ذلك واضحاً في محاولة المقدمين جر جناحي لذلك في معظم
الأسئلة.
حتى من الناحية التقنية؛ فإنه كان من الواضح تماماً أن
النية كانت مبيتة منذ الإعداد لهذا البرنامج؛ حيث اتخذ أحد الحضور دورا
مماثلا لدور المحقق والشرطي والقاضي في البرامج السابقة، إذ لعب دور الضيف
والمحلل ومقدم البرنامج في الوقت نفسه، بهدف خفي يفهمه من يعمل في مجال
الإعلام وهو تضييق الخناق على الضيف الأساسي ومن دون أن يلاحظ المشاهد ذلك
وهذا ما يتناقض مع أبسط قواعد المقابلات الإعلامية التي يراد منها معرفة
رأي ضيف في قضية مَّا.
محاولة تزوير تطبيق توصيات لجنة تقصي الحقائق
وخصوصاً في الجانب الإعلامي لن تنطلي على أحد، واستضافة شخصيات وطنية تمتلك
رؤية أخرى أو مواقف متباينة مع تنظيمها السياسي، لا يعني بأي حال من
الأحوال إعطاء مساحة إعلامية للقوى المعارضة، أما الادعاء بتسليط الضوء على
الحركة الوطنية في البحرين، فنحن نعرف تاريخنا جيداً، ونعرف مناضلينا
وشهداءنا ومنفيينا ومن تم تعذيبهم وسجنهم بالاسم واحدا واحدا، والعارف لا
يُعرَّف، وإنما الباقي على …