مساء الأحد السابع من أكتوبر الجاري، كنت في طريقي من السهلة متجها نحو السلمانية وتفاجأت بمجموعة من المحتجين تقطع الطريق أمامي بعد محطة الخميس للوقود بقطع خشبية وإطارات وسرعان ما أضرموا النار فيها. حاولت الرجوع إلى الخلف لتفادي الإنتظار، ولكن لم يكن هناك من مفر بسبب السيارات التي كانت خلفي.
خلال دقائق وصلت سيارات الشغب من المسار الآخر من الطريق ونزل أفرادها حاملين أسلحتهم لملاحقة المحتجين والإنتقام. دقائق بعدها ووصلت سيارات أخرى في نفس مسارنا تلحقهم سيارة مدنية. وما أن توقفوا حتى ترجل من السيارة المدنية شاب يحمل كاميرا فيديو راكضا بأقصى سرعة حتى لا يفوّت توثيق الحدث.
وحتى هذه اللحظة، بدا كل شيء اعتياديا بالنسبة لي، إلى أن لاحظت المصور يتجه لإحدى السيارات ويتكلم مع سائقها وكامرته موجهة له، ثم السيارة التي بعدها وبعدها حتى وصل إليّ موجها كاميرته لي وطالبا مني إنزال نافذة السيارة. أنزلتها بوصتين وتحججت بأنها لا تعمل. فتح باب السيارة ودار بيننا الحوار التالي الذي انشره ببعض التصرف.
المصور: نريد تصوير لقاء معك حول هذا الارهاب.
– آسف لا أريد.
المصور: لماذا لا تريد؟
– وهل أنا مجبر على ذلك؟
المصور: نحن وزارة الداخلية….. !
– لا يعطيك ذلك الحق في إجباري على التصريح بأي شيء، غصب يعني؟
المصور: إيه، غصب لازم تقول رأيك.
– الرأي والغصب لا يجتمعان، آسف، لا أرغب بإجراء مقابلة.
المصور: يعني أنت تشجع الأعمال الارهابية.
– لا علاقة لهذا بذلك . على أية حال أنا اعلامي ولا تستطيع خداعي بالاسئلة الموَجِهة، ولا زلت أرفض تصويرك لي.
المصور: “جذي يعني” (تعني- هكذا إذاً بالعامية)؟
– “إي جذي”(نعم هكذا).
المصور: “خير انشاء الله (يقولها بنبرة تهديد)
أغلق الباب وذهب، دون أن أعره أي اهتمام ولمحته يجري اتصالا هاتفيا.
انتهى الموقف هنا، وأكتبه لا لألفت الانتباه الى هذه الظاهرة التي تعد متابعة لمحاكمات الإعلام التي أدانها تقرير بسيوني فحسب، بل هي فرصة لأبحث في حرية التعبير أيضا.
أعتقد أن ردي الموجز على المصور يعتبر كافيا ولكن هل يحق لموظف في وزارة الداخلية ” كما قال فهو لم يبرز أي هوية ” أن يجبرني على التصريح برأيي، فضلا عن الطريقة التي يتكلم بها وهو يريد مني أن أدلي بالرأي الذي يريده ويود ان يوظفه من خلال البرامج الأمنية التي ينتجونها، والتي لا تعالج بقدر ما تعقد الوضع.
من خلال البحث في المواد القانونية المعنية بحرية التعبير وجدت المواد التالية:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 19: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.”
الميثاق العربي لحقوق الإنسان، المادة 32: “يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية”
ميثاق العمل الوطني، الفصل الأول، المقومات الأساسية للمجتمع، رابعا: “لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الابداع الشخصي. وبمقتضى هذا المبدأ فإن حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة في الحدود التي يبينها القانون.”
دستور 2002، المادة 23، “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة والطائفية.”
لم أجد صراحة الكثير لأكتبه، فالمواد واضحة وضوح الشمس، ولن يستعصي فهمها إلا على من لا يفهم الحرية. فالحرية هي أن يقرر الإنسان بمحض إرادته ودون إكراه أو تأثير من أيٍ كان على قراره او اختياره. وحريتي تبدأ من حقي في تقرير اختياري سواء بإبداء رأي من عدمه فضلا عن حريتي في ما أقول.
إن قيام “مصور هذه الجهة” بإستخدام وضعه الوظيفي لإرهاب المواطنين وإرغامهم على التصريح له والتأثير عليهم لتغليب رأيه، لهو انعكاس مبسط للأساليب القمعية التي تتعامل بها هذه الأجهزة مع المواطنين والتي صرنا نلحظها في كل مفاصل الدولة من أدناها لأعلاها.
ختاما أقول، أن العقلية الأمنية لن تجدي نفعا ولن تهز شعبنا الثابت على مطالبه ولن تحول دون وصوله إليها عاجلا أم آجلا.
ملاحظة: لن أقاضي وزارة الداخلية اذا بثت التصوير كاملا دون تقطيع ومونتاج.