في كلمة لها أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أمس،
قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن دعم الولايات المتحدة
لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية أصبح يمثل «ضرورة استراتيجية»
بالنسبة للإدارة الأميركية. ويأتي هذا التصريح بعد مرور قرابة العامين على
انطلاق الربيع العربي من تونس، وانتشاره في البلدان العربية من المحيط
الأطلسي إلى الخليج العربي.
ومن المهم الإشارة إلى أن مثل هذا الكلام
يأتي بعد مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين في
ليبيا والتظاهرات المناهضة للولايات المتحدة والتي شهدها العالمان العربي
والإسلامي في الشهر الماضي تحت غطاء الاحتجاجات ضد الفيلم المعادي للرسول
(ص) وتخللتها أعمال عنف ضد مصالح أميركية. كلينتون أضافت «لن نسحب أبداً
دعمنا للديمقراطيات الناشئة في الوقت الذي تتعقد فيه الأمور»… وهذه سياسة
مختلفة عن السابق عندما كانت أميركا ترمي بثقلها خلف الأنظمة الدكتاتورية
على أساس أن ذلك يحقق الأمن الاستراتيجي لها. وقد أوضحت وزيرة الخارجية
الموقف الأميركي الجديد بالقول إن بلادها لن تقوم مجدداً بمثل هذا «الخيار
السيئ بين الحرية والاستقرار».
هناك مدرسة فكرية جديدة في الغرب تقول
إن ما يحدث الآن كان نتيجة أخطاء استراتيجية ارتكبتها أميركا وحلفاؤها في
المنطقة، ومن بين ذلك إسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق المنتخبة بإرادة شعبية
في إيران، وذلك في العام 1951، وقد تسبب ذلك في انتشار العداء إلى أميركا.
المدرسة الجديدة ترى أن على الغرب ألا يخطئ مرة أخرى وأن يدعم الجانب
الصحيح من حركة التاريخ، لأن وقوف أميركا وحلفائها مع الدكتاتورية ومع
المتطرفين لم يأتِ لها سوى بالعداء وبانتقال أعمال الإرهاب إلى بلدان عديدة
وإلى الأراضي الأميركية نفسها، كما شاهدنا ذلك في أحداث الحادي عشر من
سبتمبر/ أيلول 2001.
المدرسة الجديدة في الغرب (أميركا وأوروبا) تنظر
إلى الربيع العربي – على رغم التقلبات والإحباطات الأخيرة – بصفته عملية
سياسية عميقة في البلدان العربية، وأن الغضب في ثورات واحتجاجات الربيع
العربي ليس موجهاً في الأساس ضد أميركا وإنما ضد الفساد والدكتاتورية، وهذه
العملية التاريخية ستكون لها تداعيات مهمة على المنطقة. وبحسب هذا المنظور
الجديد، فإن الربيع العربي من شأنه في نهاية المطاف أن يساعد على ظهور
حكومات عربية أقل فساداً وأكثر ديمقراطية، وهذا سيساعد على تحصين المجتمعات
العربية والإسلامية من الاتجاهات الراديكالية والمتطرفة دينياً، وأن
الاستقرار المعتمد على إرادة شعبية يحقق أمناً أفضل على المدى البعيد.