لم يكن الفيلم هذه المرة عاديّاً للمخرج أحمد الفردان، ولم يخرجه بدوافع
فردية، وإنما كان بناءً على طلب من مؤسسات المجتمع المدني التي أطلقت
مبادرة: «البحرين وطن يجمعنا».
جاء الفيلم قصيراً في مدته، لكنه طويل
في أثره لمن كان له قلب ينبض بحب الآخر والوطن، فقد اختار المخرج زوايا
جميلة لتصويره، وعرف كيف يذكّر المشاهد بأن البحرين تزخر بصداقات من
الطائفتين الكريمتين؛ إذ تدور مشاهد الفيلم في أحد الأحياء السكنية القديمة
التي ضمّت أبناءها تحت جناحيها، ولم تسأل عن انتماءاتهم المذهبية أو
السياسية أو الآيديولوجية، حيث يصوّر طفلين يلعبان معاً، ويدرسان معاً،
ويذهبان للصلاة معاً في المسجد نفسه على رغم اختلاف مذهبيهما، ويخرجان ويد
كل منهما بيد الآخر. ويكبر الطفلان في الأحياء نفسها ويتنقلان بين أزقة
منطقتهما معاً، ويمارسان الطقوس ذاتها ويصران على الصلاة معاً.
ما
جاء في الفيلم لم يكن حالة استثنائية أبداً، ولم ينتهِ على رغم كل
المحاولات لإنهائه، وعلى رغم كل السعار الطائفي الذي علا ومازال حتى من بعض
المنابر، مازالت هناك صداقاتٌ لم تتأثر ولو بقيد أنملة. وما زالت هنالك
أسر مختلطة تعيش حالة الفخر بأنها كذلك؛ لأنها أعلت الحب على خلافات
المعتقد والمذهب. ولا يعني هذا أن النسيج الاجتماعي لم يتمزّق في بعض
جوانبه بسبب انجرار بعض الأفراد إلى تلك الأصوات المنادية بهذه التفرقة
وهذا التفكك.
أقول هذا من واقع تجربة لا من واقع تنظير، فأنا من
عائلة اختلط بها السنة والشيعة، وواحدة من آلاف غيري لم أهتم يوماً لمذهب
من سأصاحب، ومازالت علاقاتي بكثير من أصدقائي من الطائفة الأخرى قائمة على
رغم انسحاب بعضهم لتأثره بما قيل بعد أحداث الرابع عشر من فبراير/ شباط.
وأعود
مرة أخرى لمبادرة الجمعيات التي أطلقتها جمعية الاجتماعيين بمصاحبة عدد من
مؤسسات المجتمع المدني البحرينية التي اهتمت بأن تكون البحرين وطناً
للجميع بالفعل. وطنٌ يضم أبناءه من غير التفات لطائفتهم أو لونهم أو رأيهم
السياسي، كما كان على مر العصور، على الأقل بين أبناء شعبه الذين عاشوا
معاً، وكانوا يداً واحدة.
مبادئ المبادرة جميلة لو أنها تتحقق على
أرض الواقع، وتجد الدعم المناسب من جميع أبناء المجتمع ممن تهمهم مصلحة
الوطن أولاً والمواطن ثانياً. مبادئُ لو طُبِّقَت لعشنا في أمان ومحبة، ولو
طُوِّرَت وزيدت عليها مبادئ أخرى تجبر المؤسسات الرسمية على تطبيقها لما
شكا التمييز فردٌ في المجتمع. فهي تدعو لترسيخ مفهوم الانتماء والمواطنة،
وإشاعة روح الأخوة والمحبة بين المواطنين، وتعزيز روح التعايش السلمي
وثقافة وقيم التسامح بين مكونات المجتمع، وتوجيه طاقات مؤسسات المجتمع
المدني نحو ممارسة دورها الوطني في دعم الوحدة، ومحاربة كل أسباب ووسائل
التفرقة والإقصاء والتمييز.
نتمنى لو أن المؤسسات الحكومية أيضاً
تدشّن مبادرةً شبيهةً بالتوازي مع مبادرة المؤسسات الأهلية هذه، تطبق من
خلالها بنودها على أرض الواقع وتبدأها بنبذ التمييز في التوظيف، والمساواة
بين الموظفين في الحوافز والترقيات والفرص، وفي الخدمات المقدمة من جميع
النواحي… حتى نبدأ بمصالحة وطنية تقوم على أسس صحيحة دون أن تكون هنالك
جروح لم تندمل.