من المفيد، بل من الضروري والواجب التوقف عند كلام رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في تجاوزات مستشفى الملك حمد، فهو كلام مهم، وله مغزى، ومن النوع الذي يفترض ألا يمر مرور الكرام، خاصة اذا ما افترضنا أن آوان الجد قد آن.
رئيس اللجنة النائب حسن الدوسري وعلى خلفية انفجار احدى وصلات أنابيب المياه الرئيسية في الطابق الرابع بمبنى المستشفى، رأى كما رأى غيره بأن هذا الذي حدث مؤخراً ما هو الا بداية لاكتشاف أخطاء التنفيذ في المبنى، وهو أمر محمل بتفصيلات كثيرة نحسب إنها معلومة للجميع، بعد تلك الضجة التي أثيرت قبل شهور حول حجم وطبيعة ونوعية المخالفات والتجاوزات وما اكثرها التي طالعناها وتابعناها في العلن بمواظبة مدهشة، والتي نستطيع ان نجتهد ونقول بأنها يقينا لن تسقط من الذاكرة.
يبدو ان ما خفي اعظم بحسب ما قيل ويقال وسيظل يقال، وحتى لا نستدرج الى انطباعات مغلوطة، دعونا نمعن وندقق في ذلك الكلام المهم الذي ينبغي ان لا يمر مرور الكرام، لا سيما انه صادر من نائب مهمته وفقا للدستور المراقبة والمساءلة والحفاظ على المال العام ورأس لجنة حققت وتقصت وتوصلت الى خلاصات استفزتنا وأذهلتنا وأثارت عاصفة من التساؤلات والشكوك، وهو في تصريح له يقر بأن هناك أطرافا حاولت تغيير مسار نتائج اللجنة، ومنها أطراف إعلامية لم تنتهج أسلوب الحياد.. !! وهو اتهام صريح كان يفترض هو الآخر ان يكون له دوي في الأثر والصدى.. !! ذلك الكلام توقعنا ان يحرك أطرافا نحسب انها معنية ظلت ساكنة بشكل مريب حيال ملف المستشفى، وهو الملف الذي كان رئيس تلك اللجنة قد صرح بأن التجاوزات فيه قد فاقت التوقعات، وذاكرتنا لا زالت تحتفظ بذلك الكم من التساؤلات المقلقة التي أثارها هذا الملف بعد تلك التجاوزات والمخالفات التي هي في أصلها ومنتهاها لا تصنيف ولا تسمية لها سوى بانها قضية فساد من الوزن الثقيل.
صحيح ان وزارة الأشغال قد بشرتنا أخيرا وعلى ذات الخلفية «انفجار احدى وصلات أنابيب المياه» حيث اعلنت بأنها «احالت تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الى ديوان الرقابة المالية والإدارية والجهة المختصة بوزارة الداخلية للوقوف على أية تجاوزات تستدعي اتخاذ إجراءات قانونية» !!.. والأيام بيننا.
لسنا في وارد تكرار الحيثيات التي تضمنها هذا الملف، ولا التطرق الى النتائج التي خلصت اليها لجنة التحقيق، فذلك معروف ومنشور وموثق، ولكن ثمة إلحاح على السؤال: هل يمكن ان يكون هذا الملف بكل ما سربه من دخان كثير وكثيف، يطوى او يكاد هكذا فجأة في سجل التاريخ الذي لايرحم.. !! وكأن المتبقي فقط هو ان نعلن رسميا وفاة لجنة التحقيق البرلمانية، ونقيم لها حفل تأبين حتى لا نسمع عنها شيئا ولا عن الملف برمته، ونعتبر بأن ما جرى قد جرى أمر انتهى والسلام، ولم يعد مطلوبا الحديث عن هذا الموضوع ربما بذريعة ان لا تتشوه صورة البحرين ولا يساء الى مناخ الاستثمار، وبات علينا ان نصرف النظر وان لا نعير اهتماما حيال كل ذلك اللغط والدوي والصدى وكل ما رافق إثارة هذا الملف. بما في ذلك من أرادوا الاتكاء على وهج محاربة الفساد.
نعود الى الكلام المهم الذي له مغزى والذي لا ينبغي ان يمر مرور الكرام، وهو كلام هو الاخر باعث على الصدمة والدهشة في آن واحد، ويثير تساؤلات تلو تساؤلات. نحن على يقين باننا لن نجد لها إجابة لا عاجلا ولا آجلا.. يا ترى ما هي الأطراف التي حاولت تغيير مسار اللجنة؟ وكيف؟ وما هي مصلحتها؟ وهل من يفسر لنا، لماذا لم يحرك احد ساكنا إزاء ملف قض مضاجع المواطنين؟! وما هي طبيعة محاولة التغيير؟ وما هو موقف اللجنة منها. الكلام على محمله المباشر وغير المباشر يأبى الا ان يسجل مجموعة اخرى من التساؤلات مقرونة بعلامات تعجب تستثير الضمائر وتحديدا تلك التي لم توضع في «ثلاجة» او تخمد او ترهن بأي شكل من الأشكال، وهذه المرة حول الفاجعة الثانية، وهي فاجعة عدم حيادية أطراف إعلامية اعتبرها الرجل في كلامه المهم بأنها ممن حاولوا تغيير مسار لجنة التحقيق، واذا استضأنا بهذا الكلام وهذا الاتهام وأخذنا بعين الاعتبار بأنه صادر من رئيس لجنة تحقيق برلمانية، فقد نذهب الى ان الأمر أبعد من كونه مجرد تجاوزات ومخالفات وانحرافات وأخطاء حدثت في مسار مشروع ما، او شطط غير محسوب او نزق غير مسؤول، يستوجب اول ما يستوجب سرعة المساءلة والمحاسبة والحسم، وإن كانت إشارة الأطراف الإعلامية جاءت في سياق مبني للمجهول ولكنها في كل حال تبقى إشارة تنبئ بأمر خطير لا يخفى على ذوي الألباب والفطنة، وتثير من عوامل القلق الكثير حول «بعبع» الفساد، وحول «أشباح» الشد العكسي وكيف يتحركون ويعطلون. لأن إن صح هذا الذي قاله النائب، فان ذلك ليس له إلا معنى واحد احسب انه لا يخفى على الجميع، والمؤسف في الأمر ان جهدا من اي نوع وبأي مستوى من اي طرف لم يبذل في سبيل ان توضع النقاط على الحروف.
25 سبتمبر 2012