هل يمكن للكلمة أن تكون هي الأخرى عنيفة؟!
سؤال ينطوي على ما يشبه المفارقة، لأننا حين ندعو لنبذ منطق العنف من حيث
هو ممارسات عنفية ضد الآخر، شعباً كان هذا الآخر أو حكومة أو جماعة أو
شخصاً برأي مخالف لرأينا، فإننا في الغالب ندعو إلى الحوار بالكلمات،
بالأقوال، ليأتي كل ببرهانه وليرد عليه الآخرون ببرهانهم، والبقاء في
الأخير للكلمة الأصلح. ولكن هذه المفارقة ظاهرية، في الجوهر يجب التمييز
بين الكلمة والكلمة. ثمة كلمة للحوار وكلمة أخرى للعنف. ان العنف في الأصل
هو عنف الخطاب الذي ينتج ممارسة عنفية بأشكال مختلفة، العنف لا ينشأ من
تلقاء ذاته، وانما ينشأ كنتاج لخطاب يمجد العنف، وتمجيد العنف لا يعني أن
يقول أصحاب هذا الخطاب انهم مع العنف أو يجهروا بالدعوة لممارسته، وإنما
لأن هذا الخطاب يحمل في ثناياه فكرة الاقصاء، إقصاء الآخر انطلاقاً من
الوهم، الذي يتجلى في شكل قناعة بتملك الحقيقة المطلقة، الكلية، ومثل هذه
القناعة تفترض بالنتيجة ان الرأي الآخر، أو الآراء الأخرى، خارج الحقيقة أو
ضدها ولأنها كذلك فإنها مقصاة، ومثل هذا الميل يمهد ويبرر لممارسة العنف
ضد أصحابها.
هذا أولاً، اما الأمر الثاني فإنه داخل دائرة ما ندعوه بالحوار أو الجدل أو
النقاش يمكن أن نميز بين لغتين حتى داخل الصف الواحد، لغة تتوخى الحوار
وتنشده، ولغة أخرى لا تحاور انما تهاجم وتقاتل، قوام هذه اللغة هو ما ندعوه
بعنف الكلمة، وعنف الكلمة بالمناسبة أبلغ تأثيراً وأكثر بعثاً على الأذى
من العنف في شكله السافر، لا لأنه يلحق الضرر المعنوي بالخصم فحسب وانما
لأنه يخلق مناخاً يصبح معه الحوار عصياً، ان عنف الكلمة هو مشارف العنف
المباشر في صورته المادية.
لكن ما هي جذور عنف الكلمة؟!
انها على الأرجح تكمن في التربية القسرية في مجتمعات اعتادت ان تكون حذرة
ووجلة تجاه التعبير المخالف، بدءاً من الحلقة الأصغر، حلقة العائلة حيث
تسود كلمة واحدة لا تحتمل الجدل والنقاش مروراً بالحلقات المتتالية في
المجتمع صعوداً الى العلاقة بين السلطة ورعاياها. ان عنف الكلمة لا يتجلى
فحسب في حقل السياسة وحقل الفكر وحدهما وانما في حقل العلاقات الانسانية
المباشرة، بين البشر الأفراد أنفسهم، حين يمكن لكلمة واحدة أن تخلق مناخاً
مُسمماً لا يعود بعده البشر يطيقون بعضهم بعضاَ، ويفشلون في مد جسور
التفاهم بينهم، ناهيك عن التعايش، إذا كان الواحد منهم يظن أن ما يقوله هو
وحده الصحيح.
هذا يقود الى القول بأن العنف هو ثقافة قبل أن يكون سلوكاً أو ممارسة. ان
عنف الكلمة هو التجلي المباشر، الفوري، الأولي لثقافة العنف. واذا كانت سنة
الحياة قائمة على تعدد الأفكار والأهواء والأمزجة والاجتهادات، فإن سنة
هذه الحياة ذاتها تتطلب تعايش هذه النقائض في سلام لا برغبة التوفيق بينها
فهذا متعذر، ولكن كي تتواجه وتتعارض لكن بالحوار وحده، لا بالعنف، حتى لو
كان عنف الكلمة.
سؤال ينطوي على ما يشبه المفارقة، لأننا حين ندعو لنبذ منطق العنف من حيث
هو ممارسات عنفية ضد الآخر، شعباً كان هذا الآخر أو حكومة أو جماعة أو
شخصاً برأي مخالف لرأينا، فإننا في الغالب ندعو إلى الحوار بالكلمات،
بالأقوال، ليأتي كل ببرهانه وليرد عليه الآخرون ببرهانهم، والبقاء في
الأخير للكلمة الأصلح. ولكن هذه المفارقة ظاهرية، في الجوهر يجب التمييز
بين الكلمة والكلمة. ثمة كلمة للحوار وكلمة أخرى للعنف. ان العنف في الأصل
هو عنف الخطاب الذي ينتج ممارسة عنفية بأشكال مختلفة، العنف لا ينشأ من
تلقاء ذاته، وانما ينشأ كنتاج لخطاب يمجد العنف، وتمجيد العنف لا يعني أن
يقول أصحاب هذا الخطاب انهم مع العنف أو يجهروا بالدعوة لممارسته، وإنما
لأن هذا الخطاب يحمل في ثناياه فكرة الاقصاء، إقصاء الآخر انطلاقاً من
الوهم، الذي يتجلى في شكل قناعة بتملك الحقيقة المطلقة، الكلية، ومثل هذه
القناعة تفترض بالنتيجة ان الرأي الآخر، أو الآراء الأخرى، خارج الحقيقة أو
ضدها ولأنها كذلك فإنها مقصاة، ومثل هذا الميل يمهد ويبرر لممارسة العنف
ضد أصحابها.
هذا أولاً، اما الأمر الثاني فإنه داخل دائرة ما ندعوه بالحوار أو الجدل أو
النقاش يمكن أن نميز بين لغتين حتى داخل الصف الواحد، لغة تتوخى الحوار
وتنشده، ولغة أخرى لا تحاور انما تهاجم وتقاتل، قوام هذه اللغة هو ما ندعوه
بعنف الكلمة، وعنف الكلمة بالمناسبة أبلغ تأثيراً وأكثر بعثاً على الأذى
من العنف في شكله السافر، لا لأنه يلحق الضرر المعنوي بالخصم فحسب وانما
لأنه يخلق مناخاً يصبح معه الحوار عصياً، ان عنف الكلمة هو مشارف العنف
المباشر في صورته المادية.
لكن ما هي جذور عنف الكلمة؟!
انها على الأرجح تكمن في التربية القسرية في مجتمعات اعتادت ان تكون حذرة
ووجلة تجاه التعبير المخالف، بدءاً من الحلقة الأصغر، حلقة العائلة حيث
تسود كلمة واحدة لا تحتمل الجدل والنقاش مروراً بالحلقات المتتالية في
المجتمع صعوداً الى العلاقة بين السلطة ورعاياها. ان عنف الكلمة لا يتجلى
فحسب في حقل السياسة وحقل الفكر وحدهما وانما في حقل العلاقات الانسانية
المباشرة، بين البشر الأفراد أنفسهم، حين يمكن لكلمة واحدة أن تخلق مناخاً
مُسمماً لا يعود بعده البشر يطيقون بعضهم بعضاَ، ويفشلون في مد جسور
التفاهم بينهم، ناهيك عن التعايش، إذا كان الواحد منهم يظن أن ما يقوله هو
وحده الصحيح.
هذا يقود الى القول بأن العنف هو ثقافة قبل أن يكون سلوكاً أو ممارسة. ان
عنف الكلمة هو التجلي المباشر، الفوري، الأولي لثقافة العنف. واذا كانت سنة
الحياة قائمة على تعدد الأفكار والأهواء والأمزجة والاجتهادات، فإن سنة
هذه الحياة ذاتها تتطلب تعايش هذه النقائض في سلام لا برغبة التوفيق بينها
فهذا متعذر، ولكن كي تتواجه وتتعارض لكن بالحوار وحده، لا بالعنف، حتى لو
كان عنف الكلمة.