لا أحد يمكنه التكهن بماذا سيحدث بعد «جنيف»، كما لم يكن لأحد أن يعرف
ما الذي كانت الحكومة تنوي القيام به بعد أن تقدم رئيس اللجنة البحرينية
المستقلة لتقصي الحقائق محمود بسيوني بـ26 توصية حقوقية وليست سياسية لو
نفذت، أو كانت هناك نية صادقة لتنفيذها بشكل صحيح لكان وضعنا قد اختلف
كثيراً.
الاحتمالات تبقى مفتوحة بشكل كبير، فكما تعهدت الدولة بتنفيذ
الـ26 توصية التي تقدم بها بسيوني، فإنها تتعهد الآن بتنفيذ 156 توصية
تقدمت بها دول العالم أجمع.
من الواضح أن اللاعبين الأساسيين في قضية
البحرين، أي الحكومة والمعارضة يلعبان على عامل الوقت، دون أن يكون لأي
منهما قدرة كافية لهزيمة الآخر بالضربة القاضية، ولذلك فإن كلاً منهما يسعى
لتسجيل النقاط، والانتظار لحين أن يتعب اللاعب الآخر ويعلن قبوله بشروط
الطرف الآخر.
في مثل هذا الوضع تبقى المعركة مفتوحة دون أفق لحل يرضي
الجميع، وكلما طال أمد هذه المعركة كلما خسرت البحرين أكثر فأكثر سياسياً
واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
المحبط في هذا الأمر غياب الصوت
التوافقي في الداخل البحريني، فالمجتمع انقسم – أو فلنقل قُسم – على بعضه
بشكل أفقي لم تترك فيه مساحة لرأي وسطي أو عقلاني يمكن أن يلعب دوراً ولو
محدوداً في تقريب وجهات النظر والإبقاء على حالة السلم الأهلي وعدم
الانزلاق نحو التناحر الطائفي، في حين تم رفض أي وساطات خارجية، حتى من
أقرب الدول لنا والتي نصفها عادة بالدول الشقيقة، كما حدث مع مبادرة دولة
الكويت في بداية الأزمة للوساطة والتي تم رفضها من قبل الدولة.
كما
أن الأمر لم يقف عند حد رفض مثل هذه الوساطات وإنما تعدى ذلك ليصل لحد
التشكيك في موقف أي دولة أو منظمة عالمية أبدت رأيها بحيادية حول ما يحدث
في البحرين.
إن تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي
الحقائق أو توصيات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لن تكون إلا خطوات
ترجعنا لما قبل أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الماضي، في حين ما
هو مطلوب أكثر من ذلك بكثير وهو ما أدى إلى حدوث هذه الاحتجاجات؛ فما لم
تحل ملفات التمييز والتجنيس والدوائر الانتخابية العادلة والتعديلات
الدستورية وغيرها من ملفات عالقة عبر حوار سياسي حقيقي سيبقى الوضع مهيأ
للانفجار مرة أخرى حتى وإن تم تنفيذ جميع التوصيات الخاصة بحقوق الإنسان
والتي تعهدت الدولة بتنفيذها أمام العالم أجمع.