المنشور

في ذكرى «جمّول» المقاومة ما تبقّى لنا – إيلي حنا

أحيا الحزب الشيوعي اللبناني الذكرى
الثلاثين لانطلاق «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية». في قصر الأونيسكو،
امتزج الأحمر بالأحمر. الشماليّ بالجنوبيّ. جمعهم حزبهم «تحت راية
المقاومة»، حيث لا مكان للخلاف

«جمّول» ليست مجرّد ذكرى. عبارة تتردّد
على ألسنة الشيوعيين. ينتظر هؤلاء عاماً آخر ليكرّروها. ليس في يدهم حيلة.
منهم من غادر تنظيمه. بعضهم «يغيّر» من الداخل، وآخرون مقتنعون بالخط
الحزبي. جمعتهم ذكرى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ملأوا قاعة قصر
الأونيسكو ليهتفوا باسم «الشهيد».
موجة حمراء انسلّت بهدوء إلى أبواب العاصمة بيروت. لم يعكّروا صفوَ
«البيارتة» القاطنين على مقربة من مكان الاحتفال، في طبقاتهم العلوية
المحكمة الإقفال. باصات «المنظمات» اختلطت بعفوية، شبّهها أحد الحاضرين
بحال الحزب. ردّة الفعل والارتجال طاغية على الرؤية السياسية والتنظيمية،
يقول.


في الداخل، مشهد موحّد في احتفالات الشيوعيين، حيث يختلط الأحمر بالأحمر.
ابن لبّايا مع رفيقه البترونيّ. هموم الحزب والوطن… وسوريا. لم يكن ينقص
الشيوعيين سوى الأزمة/ الثورة السورية لتلتبس على بعضهم الرؤية، ولينحازوا
أو يحايدوا. لا فرق. بالنتيجة هم مأزومون.


في قلب هذه «الأزمة» يستقبل «بيار الصغير»، المسمى تيمّناً بالشهيد بيار
أبو جودة، قبلات متفرّقة من الرفيقات. ألكسي يلهو بسيارته الكهربائية.
أحمد، القادم من زوطر الشرقية أصبح يمسك براية حزبه بإحكام أكثر من قبل.
أحمد ولد بعد عام 2000. في يوم توقفت فيه عمليات الشيوعيّين العسكرية. لا
همّ. أحمد يعلم جيداً أنّ في قريته نصباً للشهيدة يسرى اسماعيل. رأى صورتها
على الشاشة في قاعة الاحتفال. مرّت صور الشهداء والعمليات والعروض
العسكرية. قواذف «ب 7» وحنين. إعدام العميل روبنسن… «جمول وجدت لتنتصر
وانتصرت»… حنين في الوجوه. زهوٌ في المقل. أيننا اليوم على الألسنة؟


تمرّ أغلفة صحيفة النداء على الشاشة. يستنفر «غوار» و«البرجي» و«باتنجان».
ثلاثة من مدينة الميناء في الشمال المنسيّ، تذكروا جيداً عبارات «الصفحة
الأولى». «بتذكر وقت ما وزّعنا 1500 عدد بالـ 83»، يسأل البرجي. «كيف كانوا
يوصّلهون لفوق»، يسأل باتنجان بدوره. «ما منعرف وما لازم نعرف، كل حزبي
عمل دوره»، إجابة البرجي قاطعة.


في الطبقة العلويّة من القاعة، تجمّع «المتحمّسون». رصّوا صفوفهم. رفعوا قبضاتهم اليسرى وأنشدوا في كلّ لحظة صمت تخلّلها المهرجان.
ابن «بيئة حركة أمل» إلى جانبه ابن «بيئة تيار المستقبل». لم تصبهم لوثة
الطائفية بعد. أو بالأحرى مضادّهم (الماركسي) الحيوي كان أقوى.
افتتح الحفل بفيلم من إعداد منطقية بيروت، لخّص خلال ثلاثين دقيقة انطلاق
جبهة المقاومة حتى يوم التحرير. في إحدى زوايا القاعة «ترجم» أحد الآباء
لابنته أحداث «الشاشة». «هيدي المدينة الرياضية عم تنقصف… هيدي محطة أيوب
محلّ أول عملية للرفاق… الإسرائيليون جبناء انسحبوا بعد كم يوم…
المقاومة أقوى». أصغت الصغيرة بفخر. تعلّمت «ألف باء» حزبها قبل انطلاق
عامها الدراسي. حفظت جيداً «إلى السلاح تنظيماً للمقاومة دفاعاً عن الوطن».


كما في كلّ عام، طغت الأعمار الشابة والصغيرة على الحضور. «القدامى» يتشبثّون بهم. هم الأمل، يؤكدون.


في زاوية المدخل، يقف «مناضلان متقاعدان». تبدو أيام «العسكر» أقلّ
استعصاءً أمام ما يواجهونه اليوم. في شفاههم كلام عن مدرسة أولادهم، «أنت
مسلم أو مسيحي، يسألون ابني في الصفّ». يواجه رفيقه مشكلة أخرى «اضطررت إلى
أن أضع ابني في كشافة الرسالة، أصدقاؤه هناك. ما العمل».


ما العمل؟ سؤال الشيوعيين اليوم. أجاب عنه لينين. لم يُسمع صداه في بيروت.


بين الأروقة، يجتمع رهط من «الرفاق» كأنهم في ورش عمل مصغّرة. مجموعة تقوّم
نشاط منظمتها الحزبية. مجموعة أخرى تتأسّف على وضعها التنظيميّ. فيما
يُجمع معظمهم على انتقاد «من غادروا أو انتقلوا إلى ضفّة أخرى». إنّهم
كالحمصّ الفاسد يطفون على الماء وحدهم. عبارة قالها زياد الرحباني في أحد
المهرجانات الحزبية، ما زال يردّدها «الرفاق».


في عيد «جمول» الثلاثين، كلمة سياسية واحدة، ألقاها الأمين العام للحزب
الشيوعي اللبناني، خالد حدادة. تمنى فيها أن «يكون جمال الاحتفالات بذكرى
المقاومة دافعاً لنا لمنع الاختلاف حول بعض جوانب هذه المقاومة وبعض
عملياتها وتاريخها»، ودعا إلى «عدم الوقوع في خطأ الفئوية والتنافس على
قضية هي مفخرة شعبنا وتاريخه».


وسأل: «هل انتهينا من تحديد من هو العدوّ؟ وهل كلّ القوى المشاركة في
الحوار صادقة في التعبير عن أنّ عدوها الأول هو العدو الإسرائيلي ولن
يحتضنه ويناصره في الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية؟ السياسة
الدفاعية ليست فقط سلاحاً، السلاح جزءٌ من هذه السياسة وليس الجزء الأهم،
لقد اطلعتم على أن العملية الأولى للمقاومة بدأت بقنبلتين وجدتا في بيت أحد
الرفاق، ولم تحتج عملية إطلاق المقاومة الى طائرات وصواريخ، السلاح ضروري
ولكن الأهم أنّ لأيّ خطة دفاعية جوانبها العدة». وسأل: «كيف نكون أعداء
إسرائيل وأصدقاء أميركا؟ لا أقدر أن أستوعب ذلك. وكيف نكون أعداء إسرائيل
ومسموح لمندوب أميركي بأن ينتهك سياستنا».


ختم حدادة. جلس «عود» سامي حوّاط. ارتفعت القبضات من جديد. أنشدوا «يا رياح
الشعب» ملء الحناجر. حملوا راياتهم وانطلقوا إلى قراهم المتناثرة. عاد
أحمد إلى ضريح يسرى. ووسيم إلى نصب رفاقه في كفررمان وغيّاث إلى مَعلَم
وائل نعيم في حلبا.



جريدة الأخبار اللبنانية