يمثل عمل من يدافعون عن حقوق الإنسان والذين يناضلون لوضع حل للتمييز
مصدر إلهام في مختلف مجتمعات دول العالم. ففي الوقت الذي تحتقرهم الأنظمة
السياسية القامعة لكل شكل من أشكال حقوق الإنسان والتعبير إمّا بزجهم في
السجون أو تعذيبهم أو التلاعب بأحكامهم في محاكمات صورية إلا أن قيمة هؤلاء
ترتفع في المجتمع الدولي وحتى داخل مجتمعهم؛ لأنهم يبقون الصوت الذي يوثق
الانتهاكات ويصر على العدالة في ظل استمرار نظام سياسي مستبد يقصى الآخر
على حساب مصلحة نفوذه في السلطة.
وقد وصفت المفوضة السامية لحقوق
الإنسان بالأمم المتحدة نافي بيلاي المدافع عن حقوق الإنسان بالقول: «يمكن
لكل واحد منا أن يكتسب صفة المدافع عن حقوق الإنسان. وهذه الصفة ليست دوراً
يحتاج إلى مؤهلات مهنية. وأمّا ما يعتمد عليه فهو الاحترام لأخواتنا في
الإنسانية والفهم بأنه يحق لنا جميعاً التمتع بكامل نطاق حقوق الإنسان،
والالتزام بتحويل ذلك المثال إلى واقع ملموس».
كلام بيلاي يركز على
مبادئ الإنسانية العالمية واحترام هذه المبادئ من خلال عدم انتهاكها، ولو
نظرنا إلى أسماء كثيرة خلال العشرين السنة الماضية، فالعالم يزخر بكثير من
النشطاء في مجال حقوق الإنسان وكثير منهم من برز بصورة تلقائية في ظل
استمرار المشكلة وتفاقمها داخل مجتمعه الذي يطالب بحقوقه المسلوبة التي
تنتظر إمّا إصلاحاً أو سقوطاً لنظام قمعي لا يعترف بتلك الحقوق.
وعبر
تجارب عديدة مرت لاتزال تمر بها المجتمعات التي تعيش دوائر الصراع بين
الديمقراطية والدكتاتورية نجد أن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان مازال يشكل
مصدر تهديد وقلق للأنظمة التي لا تريد صوتاً يُذكّرها على الدوام بحجم
الجرائم التي تقترفها والممارسات التي تقوم بها ضد فئة دون أخرى.
إن
أنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان تحفز على التغيير غير أن إجراءات
المدافعين كثيراً ما تجابه ردود فعل معادية وسلبية من جانب الأفراد
والجماعات والسلطات، فمثلاً يفقد آلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان
وظائفهم ويتعرضون للتهديد والمضايقة والتشهير، والسجن غير القانوني
والتعذيب والقتل والنفي القسري.
وبحسب موقع الأمم المتحدة فقد اعتمدت
الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1998 الإعلان بشأن حق ومسئولية
الأفراد والمجموعات وأجهزة المجتمع عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات
الأساسية المعترف بها عالمياً. ويتوقف إلى حد كبير على أنشطة المدافعين عن
حقوق الإنسان، وأن هؤلاء – بسبب عملهم على وجه الدقة – كثيراً ما يحتاجون
إلى حماية إضافية. وفي العام 2000، عَيّن الأمين العام ممثلاً خاصاً يتمثل
دوره في رصد ودعم تنفيذ الإعلان. وفي أبريل/ نيسان 2010، أعرب مجلس حقوق
الإنسان عن عميق القلق لاستمرار التهديدات والهجمات التي يتعرض لها
المدافعون عن حقوق الإنسان في العالم، واعتمد قراراً يحدد الدولة بوصفها
صاحبة الدور الأساسي في مساندة المدافعين عن حقوق الإنسان مساندة تامة
وتوفير بيئة آمنة وممكنة لهم. وينص القرار بصورة واضحة على أنه عندما ترتكب
انتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، ينبغي للدول التحقيق في هذه
الحوادث بصورة سريعة ومتجردة وملاحقة المرتكبين.
وقد تكون تجربة دول
أميركا اللاتينية قريبة من التجربة المعاشة في دول المنطقة العربية من
الخليج إلى المحيط. ففي أثناء حكم أوغستو بينوشيه، الحاكم الدكتاتوري في
تشيلي اعتُقل ناشط يدعى روبرتو غاريتون (غاريتون عمله يشبه عمل الكثير من
نشطاء المنطقة العربية الذين برزوا في مطلع 2011 وحتى اليوم) لنشره مقالاً
عن انتهاكات حقوق الإنسان من جانب النظام الحاكم. وكان عضواً في منظمة
«فيكاريا دي لا سوليدارياد»، وهي منظمة ترمز إلى الكفاح من أجل حقوق
الإنسان، أعربت عن معارضتها للقمع في ظل حكم بينوشيه، ودافعت عن حقوق ضحايا
التعذيب والسجناء، وسعت إلى كشف مكان الأشخاص الذين تم إخفاؤهم؛ وتعتبر
الخلفية الشخصية لروبرتو غاريتون مؤاتية لعمله كمحام في مجال حقوق الإنسان
ودوره الحالي كعضو في الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم
المتحدة، والذي ينظر في عرائض من أفراد أو مجموعات تتعلق بمجالات الحبس
التعسفي. وفي الفترة من 1994 إلى 2000، شغل السيد غاريتون منصب المقرر
الخاص التابع للأمم المتحدة لحالة حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو
الديمقراطية، إذ قام بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد.
إن
تجربة غاريتون ليست بعيدة عما يحدث اليوم في المشهد السياسي والحقوقي في
الدول العربية التي لا تخلو من النشطاء ولا تخلو من ملاحقتهم بصور شتى بسبب
صوتهم ورصدهم عبر التوثيق والتغريد في وسائط شبكات التواصل الاجتماعي
كمصدر قوة للتغيير في الشوارع والميادين العربية.